‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاتزان الرقمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاتزان الرقمي. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الثالثة من سلسلة قمة سينك مع ايزابيلا. الأخت الكبرى والحماية من المحتوى

رابط الحلقة


 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت ، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


== 


في سنة 1949، كتب جورج أوريل رواية 1984، يتخيل فيها عالم ديستوبيا. تكون فيه كل الأفكار التي يمكن أن يفكر بها أي فرد من المجتمع محكومة بما يريده الحزب وما يقرره " الأخ الأكبر " الذي يرأس هذا الحزب. 

بطل القصة وينستن سميث، لم يطق هذه الرقابة. ولم يستطع التعبير عما يشعر لأي أحد. فكل أحد قد يكون عيناً للحزب، وكل مكان يراه ويراقبه الأخ الأكبر. لكنه استطاع أن يهرب من هذه الرقابة الشديدة عندما وجد نقطة عمياء لا تراها الكاميرات. وبدأ ثورته الشخصية الصغيرة، بأن يفكّر أفكاره الخاصة. ويرتكب جريمة أكبر وهي تدوين هذه الأفكار في دفتر يوميات. 


بعد كتابة هذه الرواية بعقد من الزمن تقريبا، بدأت بذرة اختراع جديد، Intergalactic Network للكمبيوترات، وتطورت أكثر في مختبرات الجيش الأمريكي وصارت

 ARPANET,  the Advanced Research Projects Agency Network

حيث صنعت الكمبيوترات شبكة صغيرة محدودة بينهم لتبادل المعلومات. وفي 1983 استطاع العلماء تطويرها وصارت الشبكات الصغيرة المحدودة تتواصل مع بعضها. ومن هنا بدأ الإنترنت الحديث وتوسع وانتشر حتى أصبح هذا الشيء الذي أستخدمه لأضع لك هذا المحتوى وتستخدمه لتستمع له. 


وعلى عكس عالم رواية 1984، أتاح هذا الاختراع لكل شخص أن يعبر عن أفكاره ومعتقداته ورغباته. وأتاح لكل شخص متصل بالشبكة أن يطّلع عليها دون قيود. 

وتدريجيا، بعد أن كانت الانترنت مكاناً جديداً جميلاً لنشر العلم وتطوير التقنيات وتطبيقاتها. لم ينتبه المجتمع أن المياه التي كانوا يخوضون فيها بسهولة تحولت إلى بحر فمحيط تتلاطم فيه الأمواج وتعيش في أعماقه كائنات كثيرة مخيفة تنظر لنا كما ننظر إلى قائمة المأكولات الشهية في مطعمنا المفضل. 

استخدامات الانترنت المفيدة في العالم والتي "تغيّره إلى عالم أفضل" في كثير من الأحيان. شجعت مزيد من الناس للدخول في هذا المحيط المرعب. وتعلم الأطفال عن هذه التقنية الجديدة المثيرة. وقفزوا دون أي وسيلة أمان. ومثل كل تقنية، استطاعت فئات من البشر استخدامها لتطوّر جرائمها.

وظهرت لنا تفرعات جديدة مثل الانترنت المظلم، والذي يصعب تقفي أثر من يستخدمه. والذي استغله كلاً من الصحافيين الهادفين لفضح الفساد لحماية مصادرهم. والفاسدين لتبادل منتجاتهم الصادمة لكل سَوّي. 

عندما كنا أطفالاً، كنا نظن أن الأشرار لهم أعين حمراء أو صفراء، تطلق الشرر. وملامح حادة تكاد تخترق صدورنا فتلوثها. وكبرنا وعرفنا أن الأشرار قد يبدون لطفاء، بل يشبهوننا أحيانا. 

وفي الانترنت، الذي يعكس عالمنا الواقعي. نرى أن الأشرار لازالوا يستخدمون نفس طرقهم لكن بطريقة مطورة. فتوقف اللصوص عن تعريض أجسادهم للخطر عبر اقتحام المنازل. وتعلموا سرقة بياناتنا لتحويل أموالنا إلى حساباتهم. 

كما استغل النصابون عدم حرصنا أو جهلنا. فأصبحوا يأخذون هويتنا ويحادثون أصدقائنا ويسرقونهم … 

وأصبح المتحرشون بالأطفال يرتدون صورة رمزية لطفل. ويدخلون ألعاب الأطفال ليتحدثوا معهم وكأنهم منهم. وبعد أن يبدأ الطفل بالوثوق بهم واعتبارهم أصدقاء، يكشفون عن قناعهم شيئا فشيئا ويلتهمون براءتهم. 


كما تطورت أساليبهم، تطورت جرائمهم. فأصبح عرضهم لمحتوى جرائمهم لتعليم غيرهم أو متعتهم المريضة. مربح أيضا. 

ووجدوا لهم جمهوراً مستعدا للدفع. ومثل أي منتج لأي محتوى، استهدفوا جمهورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي العادية. التي توجههم إلى أزقة الانترنت المظلمة. 


ومن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعية ؟ أنا وأنت وأبناءنا، وإخوتنا الصغار. 

من الذي سيمنع هذا المحتوى من الوصول إليهم ؟ 


كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، أولياء الأمور يقولون أن الشركات التي تربح من وجودنا في شبكتها يجب أن تراقب المحتوى. والشركات تقول لا يمكننا متابعة المليارات من المدخلات، والمسؤولية على الوالدين. 

تخلت أغلب الشركات عن مسؤوليتها القانونية المتعلقة بهذا المحتوى بلصق جملة (لمن هم أكبر من 13 عام، أو 16 أو 18 ) على منتجها. وتبرأت من علاقتها بالمحتوى، رغم أننا نوقع عقداً كي ننشئ الحساب عندهم فيه البند الذي يمكنهم من بيع وشراء محتوانا الذي ننتجه دون إذننا. ورمت مسؤولية حماية الأطفال على الأهالي. الذين يطالبون الحكومات بالضغط على الشركات بمتابعة ما يُنشر وإبداع طرق لحماية الصغار والمجتمع من مثل هذا المحتوى.

فالأهالي مهما تفانوا بتعلم التقنيات الجديدة، يسبقهم الأطفال ممن ولدوا وهذه التقنيات موجودة بين أيديهم وبَدَهية بالنسبة لهم. 


بعد الضغط الإعلامي والأخلاقي والحكومي على هذه الشركات الكبرى، تحركت بعضها وأنشأت طرقاً لمتابعة المحتوى، وهذه الطرق تعتمد على البشر حالياً، فالمستخدم الذي يرى ما لا يصلح، يُبلغ عنه. وينتقل هذا البلاغ إلى إيزابيلا وفريقها في دبلن. التي تعمل على تصنيف هذه البلاغات وتأكيد خطرها أو عدم صحة البلاغ. فتمنع وصول بعضها إلى الجميع، وتقنن البعض الآن تحت تحذير، وتبلغ عن الأخطر للجهات المسؤولة. 


إيزابيلا، الأخت الكبرى لكل من يستخدم الشبكة العملاقة التي تعمل بها. وفريقها من المحاربين. يقفون في الصف الأمامي متعرضين للمئات من المحتويات. 



لهذه الوظيفة أثر سلبي قوي على الصحة النفسية والعقلية. فعندما يواجه الواحد منا أحد تلك المحتويات المريعة. سيظل يفكر به ويتألم لما حصل. وقد يجرح قلوبنا جرحا لا يندمل لفترات طويلة. دون الحديث عن الخوف والقلق الذي يتسرب إلى حياتنا اليومية بفعل الصدمة. 

فكيف بمن يرى المئات منها يوميا. وهدفه هو التمعن بها وتصنيفها؟



الشركة التي يعمل فيها فريق إيزابيلا، تعطيهم الخيار عند توظيفهم لاختيار المحتوى الذي لا يمكنهم تحمله نفسياً لمنعه من الوصول إليهم وتحويله لشخص آخر من الفريق، وهي اختارت عدم رؤية أي محتوى لإيذاء الأطفال،  لكن يظل باقي ما يتعرضون له من محتوى مؤلم، وبعد مشاهدته قد يحتاجون لوقت مستقطع يستعيدون فيه توازنهم. 



من النادر أن تجد شخصا يستمر في هذه الوظيفة لفترة طويلة. وبسبب العقود التي يوقعونها مع هذه الشركات العملاقة لا يُسمح لهم بالتحدث والتفريغ عما يشعرون به وما رأوه. 

ومع التعرض المستمر، وتتالي الصدمات، يتحقق ما نعبر عنه في ثقافتنا بـ " كثر المساس يقل الإحساس"  ، وهي طريقة العقل في تخفيف الألم علينا. وإبعادنا عن هذا الشعور. والمشكلة أن العقل يتعامل مع كل الأحاسيس الآن كشيء سلبي فتختفي مشاعر أخرى مع الألم، مثل التعاطف، والحزن، والسعادة، وهذه المشاعر هي من ضمن مدى المشاعر الإنسانية التي نحتاجها، وفقدانها قد يسبب اختلالا نفسيا للشخص يدخله في دوامات أخرى. 

وسوف ارفق في وصف الحلقة رابط فيديو لاعترافات أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في هذه الوظيفة. 



وهدفهم حالياُ هو خسارة وظيفتهم في أقرب وقت. عندما يتمكن الذكاء الصناعي من معرفة الإجابات الصحيحة من دونهم. وأن يمنع وصول هذا المحتوى للناس وخاصة للصغار. 


قد نشعر أننا محاصرون وأطفالنا في خطر، لكن بيدنا كمجتمع إمكانية التغيير عند الوعي بالمشكلة والتصدي لها. 


كيف نساعد فريق إيزابيلا ؟ بالتبليغ عن المحتوى المخالف. وشيئا فشيئا سيتعلم الذكاء الصناعي ويزيلها بنفسه. 



لكن المهمة الأكبر الآن هي التي في أيدينا نحن، علينا تعليم الأطفال طريقة التعامل مع الانترنت ومتابعتهم. مثلما نعلمهم قيادة السيارة مع كل أخطارها. ومثلما نرسلهم إلى مدن الملاهي مع كل التحذيرات. 

سأضع في وصف الحلقة رابط لكتيب صغير أعجبني عن التصفح الآمن. وفي المدونة سأضع المزيد من الروابط لمساعدة الأهل في مهمة تعليم الأطفال وحمايتهم. 

رفع وعي الأطفال من سن صغير هو سلاحنا الأول الآن. وإيزابيلا وفريقها خط الدفاع الثاني وقريباً سيكون الذكاء الصناعي الخط الثالث. 


وعندنا جبهة أخرى علينا الانتباه لها. وهي حث المبرمجين على البرمجة الأخلاقية. بحيث لا يصبح هدفهم الأول هو إبقاء المستخدم لساعات أطول داخل برنامجهم وتطبيقاتهم. وإيجاد حلول عملية مبنية داخل التطبيق تتنبّه للاستخدام المفرط وتساعد المستخدم على التوقف. 


شكرا لكل من وصل هنا. ممتنة لوجودكم ودعمكم. 

شكرا عزيزي .. عبدالعزيز الحزامي على المساعدة في التسجيل والمونتاج وإنتاج الموسيقى الخاصة للبودكاست.

المدونة في وصف الحلقة وفي المدونة نص الحلقة كامل مع المراجع وقراءات إضافية.


مراجع وقراءات إضافية: 

كتاب keeping safe لتعليم الأطفال عن مخاطر الانترنت. 

قصة اختراع الانترنت 

حساب ايزابيلا على لينكد إن

مراجع للأهل عن طرق لتعليم أطفالهم عن الحماية على الانترنت 

رواية 1984 

كتب للأطفال عن حماية أنفسهم على الانترنت 


الخميس، 21 أبريل 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الثانية من سلسلة قمة سينك مع توني فان غوي

رابط الحلقة

 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت مؤخراً، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


" In every job that must be done there's an element of fun. You find the fun and snap, the job is a game" 

تقول ماري بوبنز : "في كل عمل يجب أن تنجزه يوجد عنصر للمتعة. إذا وجدته، يتحول العمل إلى لعبة" 



مفهوم تحويل المعلومات الثقيلة إلى لعبة لتيسير الفهم ليس جديداً. من أشهر الأمثلة القديمة عليه هو لعبة مونوبولي. والتي اخترعتها ليزي ماقي Lizzy Magie  سنة 1903 بهدف شرح الرأسمالية وتجارة العقارات. وتحولت عبر الزمن إلى الشكل الذي نعرفه.


عناصر المتعة من إمضاء الوقت مع الأصدقاء حولها والشجارات المضحكة التي تحصل والتنافس بينكم والقصص التي تُحكى حول لوح اللعب والعشوائية التي تتحكم بمصير اللاعبين. جعلت مونوبولي وما شابهها من ألعاب هدف بحد ذاتها بغض النظر عن الهدف الأساسي الذي صُممت له.

هذه العناصر تم تبنيها وتطويرها عبر شركات الألعاب ومصمميها، جيلاً بعد جيل ولعبة بعد أخرى. وصار بناء الألعاب يعتمد على قواعد وأسس مستقاة من علم النفس والآن مع رقمنة كل شيء، البيانات. 

فمصممي الألعاب الآن يعرفون أن العشوائية في الهدايا التي يحصل عليها اللاعب عند الفوز عنصر جذب يجعله يستمر في محاولة الحصول على المزيد. ويعرفون أيضاً أن المرحلة التالية يجب أن تكون أصعب من مهارة اللاعب الحالية بما يكفي لتكون اللعبة مشوقة ولكن دون ارتفاع بالصعوبة يجعلها مستحيلة

ونرى أثر هذه المجهودات ونجاحها في المليارات من الأموال التي تدور في فلك عالم صناعة الألعاب. واستعداد الناس بمختلف الأعمار والثقافات لقضاء الساعات من أوقاتهم لحل الألغاز ومحاربة الوحوش واكتشاف المنتحل من أصدقائهم. 


وأينما كانت الأموال تجد الأعمال تراقبها لتتعلم. ففي البداية كانت الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الموظفين هي العصا والجزرة. لكن هذا المودل القديم من التعامل مع الموظفين لا يتناسب مع الطبيعة البشرية التي اكتشفها الاقتصاديون والإداريون أخيراً. 

فكيف يمكن للمودل القديم أن يفسر تخصيص شخص من وقته وجهده وماله حصة كبيرة، لتعلم هواية لا تعود عليه بالنفع الذي يعرفه هذا المودل (كالأموال والشهرة وغيرها ) ؟ أو موجة الاستقالات التي تحصل الآن ليتخلى الناس عن بعض المنافع المادية مقابل بيئة عمل أفضل أو عمل له مردود معنوي أعلى ؟ 


وكما يقول دانيل بينك  Daniel Pink  : " اكتشف الاقتصاديون أننا لسنا روبوتات محركها اقتصادي " 


طيب ما هي علاقة كل هذا بالألعاب ؟ 

كما ذكرنا من قبل، عالم الأعمال يراقب تحركات الأموال ويتعلم منها. وقرر الإداريون أن يدخلوا عناصر اللعب على بيئة العمل لدفع الموظفين لمزيد من الإنتاجية. ومن هنا جاء مفهوم التلعيب، أو gamification أو gamifiying الوظيفة. 

وتوجد عدة تجارب في هذا المجال وأبحاث لازالت تُدرس وتُناقش. لكن عالم الأعمال مستعجل ولا ينتظر نتائج الدراسات المتأنية. فأخذت بعض الشركات مبادئ الألعاب وطبقتها. 

كنت أكلم الباحث في السلوكيات الإدمانية Tony van Rooij في قمة سينك  (إذا نطقت الاسم غلط فهو لأني ما أعرف هولندي) عن موضوع التلعيب وإدخاله في بيئات العمل. وإذا كانت الفكرة جيدة. 

وكان جوابه : " يعتمد على طريقة التطبيق، فالطريقة التقليدية هي بوضع قائمة للأفضل أداء، وإعطاء الناس نقاط على بعض الأعمال، ويمكن أن يخلق هذا تأثيرات جانبية من نوع تقييم الأشخاص لبعضهم وإيجاد الثغرات للعب على النظام. لكن لو تم تقسيم العمل إلى أقسام أصغر واستمرار التقييم حتى قبل نهاية العمل الأكبر (الترجمة الحرفية هي مكافأة الناس على أدائهم في المنتصف) هذا منطقي أكثر بالنسبة لي. " 


كلامه هنا ضرب وتراً عندي، فأنا أكره المنافسة مع الآخرين، وبمجرد أن يصبح الوضع تنافسياً بشكل مسموم وتدخل فيه محاولة الفوز بكل الطرق والتركيز على الآخرين بدلا من نفسي وفريقي، أفقد الاهتمام بالأمر كُله. لطالما حاولت إقناع أطفالي وكل من أعمل معهم بأننا لا ننافس إلا أنفسنا، وعلينا فقط المقارنة بين مستوانا الحالي والسابق ومعرفة إذا كنا نسير في الطريق الصحيح ونتحسن. التعلم من الآخرين والتعاون معهم لنفوز جميعا ونتقدم. وعلى الرغم من أن ما سأقوله الآن يعتبر مكرر وممل لكنه صمد في اختبار الزمن لأنه يحمل الكثير من الصحة وأنا أؤمن به "القمة تتسع للجميع". والمراكز موجودة لنعرف مستوانا في المهارة التي نريد إتقانها. والمنافسات موجودة لتشجيع تسريع التقدم. لا أكثر. 


ذكر توني مثالا يعتبره جيدا في استخدام مبادئ الألعاب، وهو التعليم : 

"من ناحية التحفيز، استخدم التلعيب في التعليم، فإن كان لديك برنامج تعليمي مدته ثلاث أشهر ويتم التقييم في النهاية، هذه مدة طويلة جدا في انتظار التقييم بينما في الألعاب تأخذ التقييم مباشرة بعد المهمة وبعدد مرات أكثر وتكرار أسرع، فإن تم تصميم البرنامج التعليمي بطريقة أفضل في حدود مبادئ الألعاب وحتى في البرامج التعليمية للموظفين داخل الشركات، فهذا سيساعد بشكل أفضل" 


سألته بعدها عن شركة سمعت مقابلة مع أحد مؤسسيها يقول فيها أنه استخدم مبادئ التلعيب في تقييم موظفيه وتحفيزهم. فشرحت له الطريقة كمثال موجود حاليا وقارنته بتطبيق دوولينقو duolingo  واستخدام المبادئ فيه لإبقاء المتعلم فترة أطول دون أن يفقد الاهتمام.


يجب أن أعترف أن أفكاري كان مشتتة في كل مكان هنا ولم أصغ أسئلتي بطريقة منطقية وواضحة. 


توني رتبها لي في إجابته : " في حالة دوولينقو قد تكون (مبادئ التلعيب) مفيدة، لكن في حالة الشركة التي تحدثنا عنها قد يشكل هذا مشكلة.  وهناك أمثلة على ذلك، فكل الاقتصاد التشاركي حيث يعمل الأشخاص في أعمال صغيرة ويعتمد بالكامل على تقييم العملاء. الثقة بالشخص أو مقدار ما يدفع له يعتمد عليه، وقد يصبح الأمر قابلا للتلاعب، بحيث تتلاعب الشركات بالموظفين عبر لمكافآت والتقييم أو امتلاك العملاء وزن كبير في التقييم يجعله طريقة غير منصفة ربما" 


وأكمل ليتحدث عن مثال أفضل : "  هناك تجربة مشهورة في الحديث عن مفهوم التلعيب، فشركة ديزني حاولت إدخاله على قسم تنظيف الغرف ووضعوا قائمة للأعلى أداء والتقييم كان على سرعة الأداء، ثار الموظفين على هذا النظام، كونه يزيد الضغط على الموظفين بطريقة غير صحية ليحققوا هذا مؤشر الأداء هذا فقط، فلا يمكنهم أخذ راحة، وبدلا من العمل بسرعة تناسب الشخص كي يستطيع الاستمرار في الوظيفة لفترة أطول، فيمكن أن يتسبب النظام بآثار جانبية سلبية. كما أنه يضغط عليهم لجعل معلوماتهم متاحة للكل وجعلها معلومات للمنافسة. يمكن للإدارة بالتلعيب أن تكون إيجابية إن استخدمت بطريقة صحيحة أو سلبية إن استخدمت بطريقة خاطئة. فمثلا في دوولينقو  الموضوع مختلف، فأنت فرد تتعلم لغة، وتأخذ تقييم مباشر على أدائك لذا فالنظام ليس سلبيا دائما"                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   كونه باحث في موضوع السلوكيات الإدمانية، وكوني أم، كان لابد أن أعرج على نقطة لازلت لا أعرف كيف أتصرف معها، ففي بداية أزمة كوفيد_19 انقطع الأطفال عن أصدقائهم تماما، وفقدوا حياتهم الاجتماعية فجأة، فاضطررت أن أسمح لهم باللعب على أجهزتهم مع أصدقائهم لفترات أطول لتكوين هذه العلاقات بينهم وعدم حرمانهم من نظرائهم ومن مفهوم اللعب الجماعي وكنت أضرب المثال بلعبة روبولكس roblox. الآن بدأت الأمور تعود لطبيعتها لكن أطفالي كوّنوا هذه العادة من اللعب لفترات أطول. كيف يمكنني أن أوصل لهم فكرة أن اللعب عبر الانترنت ليس هو الحياة ؟ ومثل كل حلقة، أتى الجواب غير المتوقع : " لدي أكثر من وجهة نظر في هذا الموضوع، ربما أولا يجب أن تعيدي التفكير في مفهومك عن (روبلوكس) فهي بالنسبة لهم حياة، فهناك يتواصلون، والتواصل فعلا له معنى بالنسبة لهم، نحن كبالغين نعرف أن الحياة لها جوانب أخرى ونريد لأطفالنا أن يخوضوا هذه التجارب. ما سأقوله صعب لكن للوالدين دور في وضع الحدود، وليس دائما بالإجبار، لكن بالشرح للأطفال وتوجيههم إلى تنويع نشاطاتهم بحيث تتضمن النشاطات الجسدية كالحركة، والتواصل بشكل شخصي (يقصد هنا خارج الإنترنت)، والتواصل أيضا بطريقة رقمية لكن دون إسراف. فهناك فكرة دارجة في هولندا أنه يمكن أن يُسمح للطفل ليوم واحد في الأسبوع أن يفعل ما يشاء في وقت فراغه، بينما تُتبع القواعد الأكثر صرامة في بقية أيام الأسبوع. التنوع ربما جزء من الحل. وهناك نقطة مهمة أيضا وهي: يجب أن تتواصل مع الطفل عن تجربته الرقمية. مالذي يفعله هناك ؟ ما تعنيه له ؟ هل الطفل هناك فقط ليتحدث مع أصدقائه ؟ وإن كان الأمر كذلك، يمكن للأهل التواصل وترتيب لقاءات مباشرة في نشاطات أخرى خارج العالم الرقمي. دون أن نركز فقط على روبلوكس، هذا باعتبار أن روبلوكس مكان لطيف للعب، لأنني أعرف أنه يواجه العديد من المشاكل خاصة فيما يتعلق بالمبرمجين والدفع لهم." 


في النهاية إذا، الموضوع يعود إلى طريقة التطبيق والإسراف في الاستخدام. مثل كل شيء آخر. 


إن كنت تريد استخدام مبادئ اللعب في مشروعك، فكر جيداً واستشر المختصين وطبّق بحذر كيلا تعود النتائج عليك بسلبية. ونحن كأشخاص علينا مسؤولية الانتباه على أنفسنا من الغرق في هذه الدوامة التي تتنافس على وقتنا ومهارتنا باستخدام مشاعرنا وأفكارنا. 


شكرا لاستماعكم وسامحونا على القصور في الإعداد لهذه المقابلات. 

الحلقات القادمة ستكون مع شخص تخصص في معالجة إدمان التقنية، وشابة تعمل في مراقبة المحتوى في شبكة تواصل اجتماعي كبرى، وباحثين من جامعة أبوظبي في أخلاقيات العالم الرقمي. 

والحلقة الماضية كانت عن دور المرأة وأهمية وجودها في مجال الاتصالات والتقنية.

جميع المراجع وبعض الاقتباسات من كتاب drive في المدونة ورابطها مثل العادة في وصف الحلقة. 


توني موجود على لنكدإن وتويتر لمن يحب أن يتواصل معه. ورابط التواصل معه موجود مع المراجع. 

      



المراجع : 

Game challenges and difficulty levels: lessons learned From RPGs

Difficulty Curves

How gamification motivates: An experimental study of the effects of specific game design elements on psychological need satisfaction

Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us by Daniel H. Pink

تجربة ديزني 1 و 2 

توني على لنكد إن 

 توني على تويتر 


اقتباسات : 

“The problem with making an extrinsic reward the only destination that matters is that some people will choose the quickest route there, even if it means taking the low road. Indeed, most of the scandals and misbehavior that have seemed endemic to modern life involve shortcuts.”

Daniel Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us


“Being a professional,” Julius Erving once said, “is doing the things you love to do, on the days you don’t feel like doing them.”

Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us


economists are finally realizing that we’re full-fledged human beings, not single-minded economic robots. And perhaps most important, it’s hard to reconcile with much of what we actually do at work

Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us