أهلا ..
أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف.
جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة وفي المدونة.
حضرت ، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم.
لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي.
ملاحظة:
كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار.
سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.
==
في سنة 1949، كتب جورج أوريل رواية 1984، يتخيل فيها عالم ديستوبيا. تكون فيه كل الأفكار التي يمكن أن يفكر بها أي فرد من المجتمع محكومة بما يريده الحزب وما يقرره " الأخ الأكبر " الذي يرأس هذا الحزب.
بطل القصة وينستن سميث، لم يطق هذه الرقابة. ولم يستطع التعبير عما يشعر لأي أحد. فكل أحد قد يكون عيناً للحزب، وكل مكان يراه ويراقبه الأخ الأكبر. لكنه استطاع أن يهرب من هذه الرقابة الشديدة عندما وجد نقطة عمياء لا تراها الكاميرات. وبدأ ثورته الشخصية الصغيرة، بأن يفكّر أفكاره الخاصة. ويرتكب جريمة أكبر وهي تدوين هذه الأفكار في دفتر يوميات.
بعد كتابة هذه الرواية بعقد من الزمن تقريبا، بدأت بذرة اختراع جديد، Intergalactic Network للكمبيوترات، وتطورت أكثر في مختبرات الجيش الأمريكي وصارت
ARPANET, the Advanced Research Projects Agency Network
حيث صنعت الكمبيوترات شبكة صغيرة محدودة بينهم لتبادل المعلومات. وفي 1983 استطاع العلماء تطويرها وصارت الشبكات الصغيرة المحدودة تتواصل مع بعضها. ومن هنا بدأ الإنترنت الحديث وتوسع وانتشر حتى أصبح هذا الشيء الذي أستخدمه لأضع لك هذا المحتوى وتستخدمه لتستمع له.
وعلى عكس عالم رواية 1984، أتاح هذا الاختراع لكل شخص أن يعبر عن أفكاره ومعتقداته ورغباته. وأتاح لكل شخص متصل بالشبكة أن يطّلع عليها دون قيود.
وتدريجيا، بعد أن كانت الانترنت مكاناً جديداً جميلاً لنشر العلم وتطوير التقنيات وتطبيقاتها. لم ينتبه المجتمع أن المياه التي كانوا يخوضون فيها بسهولة تحولت إلى بحر فمحيط تتلاطم فيه الأمواج وتعيش في أعماقه كائنات كثيرة مخيفة تنظر لنا كما ننظر إلى قائمة المأكولات الشهية في مطعمنا المفضل.
استخدامات الانترنت المفيدة في العالم والتي "تغيّره إلى عالم أفضل" في كثير من الأحيان. شجعت مزيد من الناس للدخول في هذا المحيط المرعب. وتعلم الأطفال عن هذه التقنية الجديدة المثيرة. وقفزوا دون أي وسيلة أمان. ومثل كل تقنية، استطاعت فئات من البشر استخدامها لتطوّر جرائمها.
وظهرت لنا تفرعات جديدة مثل الانترنت المظلم، والذي يصعب تقفي أثر من يستخدمه. والذي استغله كلاً من الصحافيين الهادفين لفضح الفساد لحماية مصادرهم. والفاسدين لتبادل منتجاتهم الصادمة لكل سَوّي.
عندما كنا أطفالاً، كنا نظن أن الأشرار لهم أعين حمراء أو صفراء، تطلق الشرر. وملامح حادة تكاد تخترق صدورنا فتلوثها. وكبرنا وعرفنا أن الأشرار قد يبدون لطفاء، بل يشبهوننا أحيانا.
وفي الانترنت، الذي يعكس عالمنا الواقعي. نرى أن الأشرار لازالوا يستخدمون نفس طرقهم لكن بطريقة مطورة. فتوقف اللصوص عن تعريض أجسادهم للخطر عبر اقتحام المنازل. وتعلموا سرقة بياناتنا لتحويل أموالنا إلى حساباتهم.
كما استغل النصابون عدم حرصنا أو جهلنا. فأصبحوا يأخذون هويتنا ويحادثون أصدقائنا ويسرقونهم …
وأصبح المتحرشون بالأطفال يرتدون صورة رمزية لطفل. ويدخلون ألعاب الأطفال ليتحدثوا معهم وكأنهم منهم. وبعد أن يبدأ الطفل بالوثوق بهم واعتبارهم أصدقاء، يكشفون عن قناعهم شيئا فشيئا ويلتهمون براءتهم.
كما تطورت أساليبهم، تطورت جرائمهم. فأصبح عرضهم لمحتوى جرائمهم لتعليم غيرهم أو متعتهم المريضة. مربح أيضا.
ووجدوا لهم جمهوراً مستعدا للدفع. ومثل أي منتج لأي محتوى، استهدفوا جمهورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي العادية. التي توجههم إلى أزقة الانترنت المظلمة.
ومن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعية ؟ أنا وأنت وأبناءنا، وإخوتنا الصغار.
من الذي سيمنع هذا المحتوى من الوصول إليهم ؟
كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، أولياء الأمور يقولون أن الشركات التي تربح من وجودنا في شبكتها يجب أن تراقب المحتوى. والشركات تقول لا يمكننا متابعة المليارات من المدخلات، والمسؤولية على الوالدين.
تخلت أغلب الشركات عن مسؤوليتها القانونية المتعلقة بهذا المحتوى بلصق جملة (لمن هم أكبر من 13 عام، أو 16 أو 18 ) على منتجها. وتبرأت من علاقتها بالمحتوى، رغم أننا نوقع عقداً كي ننشئ الحساب عندهم فيه البند الذي يمكنهم من بيع وشراء محتوانا الذي ننتجه دون إذننا. ورمت مسؤولية حماية الأطفال على الأهالي. الذين يطالبون الحكومات بالضغط على الشركات بمتابعة ما يُنشر وإبداع طرق لحماية الصغار والمجتمع من مثل هذا المحتوى.
فالأهالي مهما تفانوا بتعلم التقنيات الجديدة، يسبقهم الأطفال ممن ولدوا وهذه التقنيات موجودة بين أيديهم وبَدَهية بالنسبة لهم.
بعد الضغط الإعلامي والأخلاقي والحكومي على هذه الشركات الكبرى، تحركت بعضها وأنشأت طرقاً لمتابعة المحتوى، وهذه الطرق تعتمد على البشر حالياً، فالمستخدم الذي يرى ما لا يصلح، يُبلغ عنه. وينتقل هذا البلاغ إلى إيزابيلا وفريقها في دبلن. التي تعمل على تصنيف هذه البلاغات وتأكيد خطرها أو عدم صحة البلاغ. فتمنع وصول بعضها إلى الجميع، وتقنن البعض الآن تحت تحذير، وتبلغ عن الأخطر للجهات المسؤولة.
إيزابيلا، الأخت الكبرى لكل من يستخدم الشبكة العملاقة التي تعمل بها. وفريقها من المحاربين. يقفون في الصف الأمامي متعرضين للمئات من المحتويات.
لهذه الوظيفة أثر سلبي قوي على الصحة النفسية والعقلية. فعندما يواجه الواحد منا أحد تلك المحتويات المريعة. سيظل يفكر به ويتألم لما حصل. وقد يجرح قلوبنا جرحا لا يندمل لفترات طويلة. دون الحديث عن الخوف والقلق الذي يتسرب إلى حياتنا اليومية بفعل الصدمة.
فكيف بمن يرى المئات منها يوميا. وهدفه هو التمعن بها وتصنيفها؟
الشركة التي يعمل فيها فريق إيزابيلا، تعطيهم الخيار عند توظيفهم لاختيار المحتوى الذي لا يمكنهم تحمله نفسياً لمنعه من الوصول إليهم وتحويله لشخص آخر من الفريق، وهي اختارت عدم رؤية أي محتوى لإيذاء الأطفال، لكن يظل باقي ما يتعرضون له من محتوى مؤلم، وبعد مشاهدته قد يحتاجون لوقت مستقطع يستعيدون فيه توازنهم.
من النادر أن تجد شخصا يستمر في هذه الوظيفة لفترة طويلة. وبسبب العقود التي يوقعونها مع هذه الشركات العملاقة لا يُسمح لهم بالتحدث والتفريغ عما يشعرون به وما رأوه.
ومع التعرض المستمر، وتتالي الصدمات، يتحقق ما نعبر عنه في ثقافتنا بـ " كثر المساس يقل الإحساس" ، وهي طريقة العقل في تخفيف الألم علينا. وإبعادنا عن هذا الشعور. والمشكلة أن العقل يتعامل مع كل الأحاسيس الآن كشيء سلبي فتختفي مشاعر أخرى مع الألم، مثل التعاطف، والحزن، والسعادة، وهذه المشاعر هي من ضمن مدى المشاعر الإنسانية التي نحتاجها، وفقدانها قد يسبب اختلالا نفسيا للشخص يدخله في دوامات أخرى.
وسوف ارفق في وصف الحلقة رابط فيديو لاعترافات أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في هذه الوظيفة.
وهدفهم حالياُ هو خسارة وظيفتهم في أقرب وقت. عندما يتمكن الذكاء الصناعي من معرفة الإجابات الصحيحة من دونهم. وأن يمنع وصول هذا المحتوى للناس وخاصة للصغار.
قد نشعر أننا محاصرون وأطفالنا في خطر، لكن بيدنا كمجتمع إمكانية التغيير عند الوعي بالمشكلة والتصدي لها.
كيف نساعد فريق إيزابيلا ؟ بالتبليغ عن المحتوى المخالف. وشيئا فشيئا سيتعلم الذكاء الصناعي ويزيلها بنفسه.
لكن المهمة الأكبر الآن هي التي في أيدينا نحن، علينا تعليم الأطفال طريقة التعامل مع الانترنت ومتابعتهم. مثلما نعلمهم قيادة السيارة مع كل أخطارها. ومثلما نرسلهم إلى مدن الملاهي مع كل التحذيرات.
سأضع في وصف الحلقة رابط لكتيب صغير أعجبني عن التصفح الآمن. وفي المدونة سأضع المزيد من الروابط لمساعدة الأهل في مهمة تعليم الأطفال وحمايتهم.
رفع وعي الأطفال من سن صغير هو سلاحنا الأول الآن. وإيزابيلا وفريقها خط الدفاع الثاني وقريباً سيكون الذكاء الصناعي الخط الثالث.
وعندنا جبهة أخرى علينا الانتباه لها. وهي حث المبرمجين على البرمجة الأخلاقية. بحيث لا يصبح هدفهم الأول هو إبقاء المستخدم لساعات أطول داخل برنامجهم وتطبيقاتهم. وإيجاد حلول عملية مبنية داخل التطبيق تتنبّه للاستخدام المفرط وتساعد المستخدم على التوقف.
شكرا لكل من وصل هنا. ممتنة لوجودكم ودعمكم.
شكرا عزيزي .. عبدالعزيز الحزامي على المساعدة في التسجيل والمونتاج وإنتاج الموسيقى الخاصة للبودكاست.
المدونة في وصف الحلقة وفي المدونة نص الحلقة كامل مع المراجع وقراءات إضافية.
مراجع وقراءات إضافية:
كتاب keeping safe لتعليم الأطفال عن مخاطر الانترنت.
مراجع للأهل عن طرق لتعليم أطفالهم عن الحماية على الانترنت
كتب للأطفال عن حماية أنفسهم على الانترنت