الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الثالثة من سلسلة قمة سينك مع ايزابيلا. الأخت الكبرى والحماية من المحتوى

رابط الحلقة


 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت ، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


== 


في سنة 1949، كتب جورج أوريل رواية 1984، يتخيل فيها عالم ديستوبيا. تكون فيه كل الأفكار التي يمكن أن يفكر بها أي فرد من المجتمع محكومة بما يريده الحزب وما يقرره " الأخ الأكبر " الذي يرأس هذا الحزب. 

بطل القصة وينستن سميث، لم يطق هذه الرقابة. ولم يستطع التعبير عما يشعر لأي أحد. فكل أحد قد يكون عيناً للحزب، وكل مكان يراه ويراقبه الأخ الأكبر. لكنه استطاع أن يهرب من هذه الرقابة الشديدة عندما وجد نقطة عمياء لا تراها الكاميرات. وبدأ ثورته الشخصية الصغيرة، بأن يفكّر أفكاره الخاصة. ويرتكب جريمة أكبر وهي تدوين هذه الأفكار في دفتر يوميات. 


بعد كتابة هذه الرواية بعقد من الزمن تقريبا، بدأت بذرة اختراع جديد، Intergalactic Network للكمبيوترات، وتطورت أكثر في مختبرات الجيش الأمريكي وصارت

 ARPANET,  the Advanced Research Projects Agency Network

حيث صنعت الكمبيوترات شبكة صغيرة محدودة بينهم لتبادل المعلومات. وفي 1983 استطاع العلماء تطويرها وصارت الشبكات الصغيرة المحدودة تتواصل مع بعضها. ومن هنا بدأ الإنترنت الحديث وتوسع وانتشر حتى أصبح هذا الشيء الذي أستخدمه لأضع لك هذا المحتوى وتستخدمه لتستمع له. 


وعلى عكس عالم رواية 1984، أتاح هذا الاختراع لكل شخص أن يعبر عن أفكاره ومعتقداته ورغباته. وأتاح لكل شخص متصل بالشبكة أن يطّلع عليها دون قيود. 

وتدريجيا، بعد أن كانت الانترنت مكاناً جديداً جميلاً لنشر العلم وتطوير التقنيات وتطبيقاتها. لم ينتبه المجتمع أن المياه التي كانوا يخوضون فيها بسهولة تحولت إلى بحر فمحيط تتلاطم فيه الأمواج وتعيش في أعماقه كائنات كثيرة مخيفة تنظر لنا كما ننظر إلى قائمة المأكولات الشهية في مطعمنا المفضل. 

استخدامات الانترنت المفيدة في العالم والتي "تغيّره إلى عالم أفضل" في كثير من الأحيان. شجعت مزيد من الناس للدخول في هذا المحيط المرعب. وتعلم الأطفال عن هذه التقنية الجديدة المثيرة. وقفزوا دون أي وسيلة أمان. ومثل كل تقنية، استطاعت فئات من البشر استخدامها لتطوّر جرائمها.

وظهرت لنا تفرعات جديدة مثل الانترنت المظلم، والذي يصعب تقفي أثر من يستخدمه. والذي استغله كلاً من الصحافيين الهادفين لفضح الفساد لحماية مصادرهم. والفاسدين لتبادل منتجاتهم الصادمة لكل سَوّي. 

عندما كنا أطفالاً، كنا نظن أن الأشرار لهم أعين حمراء أو صفراء، تطلق الشرر. وملامح حادة تكاد تخترق صدورنا فتلوثها. وكبرنا وعرفنا أن الأشرار قد يبدون لطفاء، بل يشبهوننا أحيانا. 

وفي الانترنت، الذي يعكس عالمنا الواقعي. نرى أن الأشرار لازالوا يستخدمون نفس طرقهم لكن بطريقة مطورة. فتوقف اللصوص عن تعريض أجسادهم للخطر عبر اقتحام المنازل. وتعلموا سرقة بياناتنا لتحويل أموالنا إلى حساباتهم. 

كما استغل النصابون عدم حرصنا أو جهلنا. فأصبحوا يأخذون هويتنا ويحادثون أصدقائنا ويسرقونهم … 

وأصبح المتحرشون بالأطفال يرتدون صورة رمزية لطفل. ويدخلون ألعاب الأطفال ليتحدثوا معهم وكأنهم منهم. وبعد أن يبدأ الطفل بالوثوق بهم واعتبارهم أصدقاء، يكشفون عن قناعهم شيئا فشيئا ويلتهمون براءتهم. 


كما تطورت أساليبهم، تطورت جرائمهم. فأصبح عرضهم لمحتوى جرائمهم لتعليم غيرهم أو متعتهم المريضة. مربح أيضا. 

ووجدوا لهم جمهوراً مستعدا للدفع. ومثل أي منتج لأي محتوى، استهدفوا جمهورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي العادية. التي توجههم إلى أزقة الانترنت المظلمة. 


ومن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعية ؟ أنا وأنت وأبناءنا، وإخوتنا الصغار. 

من الذي سيمنع هذا المحتوى من الوصول إليهم ؟ 


كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، أولياء الأمور يقولون أن الشركات التي تربح من وجودنا في شبكتها يجب أن تراقب المحتوى. والشركات تقول لا يمكننا متابعة المليارات من المدخلات، والمسؤولية على الوالدين. 

تخلت أغلب الشركات عن مسؤوليتها القانونية المتعلقة بهذا المحتوى بلصق جملة (لمن هم أكبر من 13 عام، أو 16 أو 18 ) على منتجها. وتبرأت من علاقتها بالمحتوى، رغم أننا نوقع عقداً كي ننشئ الحساب عندهم فيه البند الذي يمكنهم من بيع وشراء محتوانا الذي ننتجه دون إذننا. ورمت مسؤولية حماية الأطفال على الأهالي. الذين يطالبون الحكومات بالضغط على الشركات بمتابعة ما يُنشر وإبداع طرق لحماية الصغار والمجتمع من مثل هذا المحتوى.

فالأهالي مهما تفانوا بتعلم التقنيات الجديدة، يسبقهم الأطفال ممن ولدوا وهذه التقنيات موجودة بين أيديهم وبَدَهية بالنسبة لهم. 


بعد الضغط الإعلامي والأخلاقي والحكومي على هذه الشركات الكبرى، تحركت بعضها وأنشأت طرقاً لمتابعة المحتوى، وهذه الطرق تعتمد على البشر حالياً، فالمستخدم الذي يرى ما لا يصلح، يُبلغ عنه. وينتقل هذا البلاغ إلى إيزابيلا وفريقها في دبلن. التي تعمل على تصنيف هذه البلاغات وتأكيد خطرها أو عدم صحة البلاغ. فتمنع وصول بعضها إلى الجميع، وتقنن البعض الآن تحت تحذير، وتبلغ عن الأخطر للجهات المسؤولة. 


إيزابيلا، الأخت الكبرى لكل من يستخدم الشبكة العملاقة التي تعمل بها. وفريقها من المحاربين. يقفون في الصف الأمامي متعرضين للمئات من المحتويات. 



لهذه الوظيفة أثر سلبي قوي على الصحة النفسية والعقلية. فعندما يواجه الواحد منا أحد تلك المحتويات المريعة. سيظل يفكر به ويتألم لما حصل. وقد يجرح قلوبنا جرحا لا يندمل لفترات طويلة. دون الحديث عن الخوف والقلق الذي يتسرب إلى حياتنا اليومية بفعل الصدمة. 

فكيف بمن يرى المئات منها يوميا. وهدفه هو التمعن بها وتصنيفها؟



الشركة التي يعمل فيها فريق إيزابيلا، تعطيهم الخيار عند توظيفهم لاختيار المحتوى الذي لا يمكنهم تحمله نفسياً لمنعه من الوصول إليهم وتحويله لشخص آخر من الفريق، وهي اختارت عدم رؤية أي محتوى لإيذاء الأطفال،  لكن يظل باقي ما يتعرضون له من محتوى مؤلم، وبعد مشاهدته قد يحتاجون لوقت مستقطع يستعيدون فيه توازنهم. 



من النادر أن تجد شخصا يستمر في هذه الوظيفة لفترة طويلة. وبسبب العقود التي يوقعونها مع هذه الشركات العملاقة لا يُسمح لهم بالتحدث والتفريغ عما يشعرون به وما رأوه. 

ومع التعرض المستمر، وتتالي الصدمات، يتحقق ما نعبر عنه في ثقافتنا بـ " كثر المساس يقل الإحساس"  ، وهي طريقة العقل في تخفيف الألم علينا. وإبعادنا عن هذا الشعور. والمشكلة أن العقل يتعامل مع كل الأحاسيس الآن كشيء سلبي فتختفي مشاعر أخرى مع الألم، مثل التعاطف، والحزن، والسعادة، وهذه المشاعر هي من ضمن مدى المشاعر الإنسانية التي نحتاجها، وفقدانها قد يسبب اختلالا نفسيا للشخص يدخله في دوامات أخرى. 

وسوف ارفق في وصف الحلقة رابط فيديو لاعترافات أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في هذه الوظيفة. 



وهدفهم حالياُ هو خسارة وظيفتهم في أقرب وقت. عندما يتمكن الذكاء الصناعي من معرفة الإجابات الصحيحة من دونهم. وأن يمنع وصول هذا المحتوى للناس وخاصة للصغار. 


قد نشعر أننا محاصرون وأطفالنا في خطر، لكن بيدنا كمجتمع إمكانية التغيير عند الوعي بالمشكلة والتصدي لها. 


كيف نساعد فريق إيزابيلا ؟ بالتبليغ عن المحتوى المخالف. وشيئا فشيئا سيتعلم الذكاء الصناعي ويزيلها بنفسه. 



لكن المهمة الأكبر الآن هي التي في أيدينا نحن، علينا تعليم الأطفال طريقة التعامل مع الانترنت ومتابعتهم. مثلما نعلمهم قيادة السيارة مع كل أخطارها. ومثلما نرسلهم إلى مدن الملاهي مع كل التحذيرات. 

سأضع في وصف الحلقة رابط لكتيب صغير أعجبني عن التصفح الآمن. وفي المدونة سأضع المزيد من الروابط لمساعدة الأهل في مهمة تعليم الأطفال وحمايتهم. 

رفع وعي الأطفال من سن صغير هو سلاحنا الأول الآن. وإيزابيلا وفريقها خط الدفاع الثاني وقريباً سيكون الذكاء الصناعي الخط الثالث. 


وعندنا جبهة أخرى علينا الانتباه لها. وهي حث المبرمجين على البرمجة الأخلاقية. بحيث لا يصبح هدفهم الأول هو إبقاء المستخدم لساعات أطول داخل برنامجهم وتطبيقاتهم. وإيجاد حلول عملية مبنية داخل التطبيق تتنبّه للاستخدام المفرط وتساعد المستخدم على التوقف. 


شكرا لكل من وصل هنا. ممتنة لوجودكم ودعمكم. 

شكرا عزيزي .. عبدالعزيز الحزامي على المساعدة في التسجيل والمونتاج وإنتاج الموسيقى الخاصة للبودكاست.

المدونة في وصف الحلقة وفي المدونة نص الحلقة كامل مع المراجع وقراءات إضافية.


مراجع وقراءات إضافية: 

كتاب keeping safe لتعليم الأطفال عن مخاطر الانترنت. 

قصة اختراع الانترنت 

حساب ايزابيلا على لينكد إن

مراجع للأهل عن طرق لتعليم أطفالهم عن الحماية على الانترنت 

رواية 1984 

كتب للأطفال عن حماية أنفسهم على الانترنت 


الخميس، 21 أبريل 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الثانية من سلسلة قمة سينك مع توني فان غوي

رابط الحلقة

 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت مؤخراً، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


" In every job that must be done there's an element of fun. You find the fun and snap, the job is a game" 

تقول ماري بوبنز : "في كل عمل يجب أن تنجزه يوجد عنصر للمتعة. إذا وجدته، يتحول العمل إلى لعبة" 



مفهوم تحويل المعلومات الثقيلة إلى لعبة لتيسير الفهم ليس جديداً. من أشهر الأمثلة القديمة عليه هو لعبة مونوبولي. والتي اخترعتها ليزي ماقي Lizzy Magie  سنة 1903 بهدف شرح الرأسمالية وتجارة العقارات. وتحولت عبر الزمن إلى الشكل الذي نعرفه.


عناصر المتعة من إمضاء الوقت مع الأصدقاء حولها والشجارات المضحكة التي تحصل والتنافس بينكم والقصص التي تُحكى حول لوح اللعب والعشوائية التي تتحكم بمصير اللاعبين. جعلت مونوبولي وما شابهها من ألعاب هدف بحد ذاتها بغض النظر عن الهدف الأساسي الذي صُممت له.

هذه العناصر تم تبنيها وتطويرها عبر شركات الألعاب ومصمميها، جيلاً بعد جيل ولعبة بعد أخرى. وصار بناء الألعاب يعتمد على قواعد وأسس مستقاة من علم النفس والآن مع رقمنة كل شيء، البيانات. 

فمصممي الألعاب الآن يعرفون أن العشوائية في الهدايا التي يحصل عليها اللاعب عند الفوز عنصر جذب يجعله يستمر في محاولة الحصول على المزيد. ويعرفون أيضاً أن المرحلة التالية يجب أن تكون أصعب من مهارة اللاعب الحالية بما يكفي لتكون اللعبة مشوقة ولكن دون ارتفاع بالصعوبة يجعلها مستحيلة

ونرى أثر هذه المجهودات ونجاحها في المليارات من الأموال التي تدور في فلك عالم صناعة الألعاب. واستعداد الناس بمختلف الأعمار والثقافات لقضاء الساعات من أوقاتهم لحل الألغاز ومحاربة الوحوش واكتشاف المنتحل من أصدقائهم. 


وأينما كانت الأموال تجد الأعمال تراقبها لتتعلم. ففي البداية كانت الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الموظفين هي العصا والجزرة. لكن هذا المودل القديم من التعامل مع الموظفين لا يتناسب مع الطبيعة البشرية التي اكتشفها الاقتصاديون والإداريون أخيراً. 

فكيف يمكن للمودل القديم أن يفسر تخصيص شخص من وقته وجهده وماله حصة كبيرة، لتعلم هواية لا تعود عليه بالنفع الذي يعرفه هذا المودل (كالأموال والشهرة وغيرها ) ؟ أو موجة الاستقالات التي تحصل الآن ليتخلى الناس عن بعض المنافع المادية مقابل بيئة عمل أفضل أو عمل له مردود معنوي أعلى ؟ 


وكما يقول دانيل بينك  Daniel Pink  : " اكتشف الاقتصاديون أننا لسنا روبوتات محركها اقتصادي " 


طيب ما هي علاقة كل هذا بالألعاب ؟ 

كما ذكرنا من قبل، عالم الأعمال يراقب تحركات الأموال ويتعلم منها. وقرر الإداريون أن يدخلوا عناصر اللعب على بيئة العمل لدفع الموظفين لمزيد من الإنتاجية. ومن هنا جاء مفهوم التلعيب، أو gamification أو gamifiying الوظيفة. 

وتوجد عدة تجارب في هذا المجال وأبحاث لازالت تُدرس وتُناقش. لكن عالم الأعمال مستعجل ولا ينتظر نتائج الدراسات المتأنية. فأخذت بعض الشركات مبادئ الألعاب وطبقتها. 

كنت أكلم الباحث في السلوكيات الإدمانية Tony van Rooij في قمة سينك  (إذا نطقت الاسم غلط فهو لأني ما أعرف هولندي) عن موضوع التلعيب وإدخاله في بيئات العمل. وإذا كانت الفكرة جيدة. 

وكان جوابه : " يعتمد على طريقة التطبيق، فالطريقة التقليدية هي بوضع قائمة للأفضل أداء، وإعطاء الناس نقاط على بعض الأعمال، ويمكن أن يخلق هذا تأثيرات جانبية من نوع تقييم الأشخاص لبعضهم وإيجاد الثغرات للعب على النظام. لكن لو تم تقسيم العمل إلى أقسام أصغر واستمرار التقييم حتى قبل نهاية العمل الأكبر (الترجمة الحرفية هي مكافأة الناس على أدائهم في المنتصف) هذا منطقي أكثر بالنسبة لي. " 


كلامه هنا ضرب وتراً عندي، فأنا أكره المنافسة مع الآخرين، وبمجرد أن يصبح الوضع تنافسياً بشكل مسموم وتدخل فيه محاولة الفوز بكل الطرق والتركيز على الآخرين بدلا من نفسي وفريقي، أفقد الاهتمام بالأمر كُله. لطالما حاولت إقناع أطفالي وكل من أعمل معهم بأننا لا ننافس إلا أنفسنا، وعلينا فقط المقارنة بين مستوانا الحالي والسابق ومعرفة إذا كنا نسير في الطريق الصحيح ونتحسن. التعلم من الآخرين والتعاون معهم لنفوز جميعا ونتقدم. وعلى الرغم من أن ما سأقوله الآن يعتبر مكرر وممل لكنه صمد في اختبار الزمن لأنه يحمل الكثير من الصحة وأنا أؤمن به "القمة تتسع للجميع". والمراكز موجودة لنعرف مستوانا في المهارة التي نريد إتقانها. والمنافسات موجودة لتشجيع تسريع التقدم. لا أكثر. 


ذكر توني مثالا يعتبره جيدا في استخدام مبادئ الألعاب، وهو التعليم : 

"من ناحية التحفيز، استخدم التلعيب في التعليم، فإن كان لديك برنامج تعليمي مدته ثلاث أشهر ويتم التقييم في النهاية، هذه مدة طويلة جدا في انتظار التقييم بينما في الألعاب تأخذ التقييم مباشرة بعد المهمة وبعدد مرات أكثر وتكرار أسرع، فإن تم تصميم البرنامج التعليمي بطريقة أفضل في حدود مبادئ الألعاب وحتى في البرامج التعليمية للموظفين داخل الشركات، فهذا سيساعد بشكل أفضل" 


سألته بعدها عن شركة سمعت مقابلة مع أحد مؤسسيها يقول فيها أنه استخدم مبادئ التلعيب في تقييم موظفيه وتحفيزهم. فشرحت له الطريقة كمثال موجود حاليا وقارنته بتطبيق دوولينقو duolingo  واستخدام المبادئ فيه لإبقاء المتعلم فترة أطول دون أن يفقد الاهتمام.


يجب أن أعترف أن أفكاري كان مشتتة في كل مكان هنا ولم أصغ أسئلتي بطريقة منطقية وواضحة. 


توني رتبها لي في إجابته : " في حالة دوولينقو قد تكون (مبادئ التلعيب) مفيدة، لكن في حالة الشركة التي تحدثنا عنها قد يشكل هذا مشكلة.  وهناك أمثلة على ذلك، فكل الاقتصاد التشاركي حيث يعمل الأشخاص في أعمال صغيرة ويعتمد بالكامل على تقييم العملاء. الثقة بالشخص أو مقدار ما يدفع له يعتمد عليه، وقد يصبح الأمر قابلا للتلاعب، بحيث تتلاعب الشركات بالموظفين عبر لمكافآت والتقييم أو امتلاك العملاء وزن كبير في التقييم يجعله طريقة غير منصفة ربما" 


وأكمل ليتحدث عن مثال أفضل : "  هناك تجربة مشهورة في الحديث عن مفهوم التلعيب، فشركة ديزني حاولت إدخاله على قسم تنظيف الغرف ووضعوا قائمة للأعلى أداء والتقييم كان على سرعة الأداء، ثار الموظفين على هذا النظام، كونه يزيد الضغط على الموظفين بطريقة غير صحية ليحققوا هذا مؤشر الأداء هذا فقط، فلا يمكنهم أخذ راحة، وبدلا من العمل بسرعة تناسب الشخص كي يستطيع الاستمرار في الوظيفة لفترة أطول، فيمكن أن يتسبب النظام بآثار جانبية سلبية. كما أنه يضغط عليهم لجعل معلوماتهم متاحة للكل وجعلها معلومات للمنافسة. يمكن للإدارة بالتلعيب أن تكون إيجابية إن استخدمت بطريقة صحيحة أو سلبية إن استخدمت بطريقة خاطئة. فمثلا في دوولينقو  الموضوع مختلف، فأنت فرد تتعلم لغة، وتأخذ تقييم مباشر على أدائك لذا فالنظام ليس سلبيا دائما"                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   كونه باحث في موضوع السلوكيات الإدمانية، وكوني أم، كان لابد أن أعرج على نقطة لازلت لا أعرف كيف أتصرف معها، ففي بداية أزمة كوفيد_19 انقطع الأطفال عن أصدقائهم تماما، وفقدوا حياتهم الاجتماعية فجأة، فاضطررت أن أسمح لهم باللعب على أجهزتهم مع أصدقائهم لفترات أطول لتكوين هذه العلاقات بينهم وعدم حرمانهم من نظرائهم ومن مفهوم اللعب الجماعي وكنت أضرب المثال بلعبة روبولكس roblox. الآن بدأت الأمور تعود لطبيعتها لكن أطفالي كوّنوا هذه العادة من اللعب لفترات أطول. كيف يمكنني أن أوصل لهم فكرة أن اللعب عبر الانترنت ليس هو الحياة ؟ ومثل كل حلقة، أتى الجواب غير المتوقع : " لدي أكثر من وجهة نظر في هذا الموضوع، ربما أولا يجب أن تعيدي التفكير في مفهومك عن (روبلوكس) فهي بالنسبة لهم حياة، فهناك يتواصلون، والتواصل فعلا له معنى بالنسبة لهم، نحن كبالغين نعرف أن الحياة لها جوانب أخرى ونريد لأطفالنا أن يخوضوا هذه التجارب. ما سأقوله صعب لكن للوالدين دور في وضع الحدود، وليس دائما بالإجبار، لكن بالشرح للأطفال وتوجيههم إلى تنويع نشاطاتهم بحيث تتضمن النشاطات الجسدية كالحركة، والتواصل بشكل شخصي (يقصد هنا خارج الإنترنت)، والتواصل أيضا بطريقة رقمية لكن دون إسراف. فهناك فكرة دارجة في هولندا أنه يمكن أن يُسمح للطفل ليوم واحد في الأسبوع أن يفعل ما يشاء في وقت فراغه، بينما تُتبع القواعد الأكثر صرامة في بقية أيام الأسبوع. التنوع ربما جزء من الحل. وهناك نقطة مهمة أيضا وهي: يجب أن تتواصل مع الطفل عن تجربته الرقمية. مالذي يفعله هناك ؟ ما تعنيه له ؟ هل الطفل هناك فقط ليتحدث مع أصدقائه ؟ وإن كان الأمر كذلك، يمكن للأهل التواصل وترتيب لقاءات مباشرة في نشاطات أخرى خارج العالم الرقمي. دون أن نركز فقط على روبلوكس، هذا باعتبار أن روبلوكس مكان لطيف للعب، لأنني أعرف أنه يواجه العديد من المشاكل خاصة فيما يتعلق بالمبرمجين والدفع لهم." 


في النهاية إذا، الموضوع يعود إلى طريقة التطبيق والإسراف في الاستخدام. مثل كل شيء آخر. 


إن كنت تريد استخدام مبادئ اللعب في مشروعك، فكر جيداً واستشر المختصين وطبّق بحذر كيلا تعود النتائج عليك بسلبية. ونحن كأشخاص علينا مسؤولية الانتباه على أنفسنا من الغرق في هذه الدوامة التي تتنافس على وقتنا ومهارتنا باستخدام مشاعرنا وأفكارنا. 


شكرا لاستماعكم وسامحونا على القصور في الإعداد لهذه المقابلات. 

الحلقات القادمة ستكون مع شخص تخصص في معالجة إدمان التقنية، وشابة تعمل في مراقبة المحتوى في شبكة تواصل اجتماعي كبرى، وباحثين من جامعة أبوظبي في أخلاقيات العالم الرقمي. 

والحلقة الماضية كانت عن دور المرأة وأهمية وجودها في مجال الاتصالات والتقنية.

جميع المراجع وبعض الاقتباسات من كتاب drive في المدونة ورابطها مثل العادة في وصف الحلقة. 


توني موجود على لنكدإن وتويتر لمن يحب أن يتواصل معه. ورابط التواصل معه موجود مع المراجع. 

      



المراجع : 

Game challenges and difficulty levels: lessons learned From RPGs

Difficulty Curves

How gamification motivates: An experimental study of the effects of specific game design elements on psychological need satisfaction

Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us by Daniel H. Pink

تجربة ديزني 1 و 2 

توني على لنكد إن 

 توني على تويتر 


اقتباسات : 

“The problem with making an extrinsic reward the only destination that matters is that some people will choose the quickest route there, even if it means taking the low road. Indeed, most of the scandals and misbehavior that have seemed endemic to modern life involve shortcuts.”

Daniel Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us


“Being a professional,” Julius Erving once said, “is doing the things you love to do, on the days you don’t feel like doing them.”

Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us


economists are finally realizing that we’re full-fledged human beings, not single-minded economic robots. And perhaps most important, it’s hard to reconcile with much of what we actually do at work

Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us





السبت، 2 أبريل 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الأولى من سلسلة قمة سينك مع لورديز مونتنيقرو

رابط البودكاست 

 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة والبسكويت وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت مؤخراً، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت مع الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذي حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


وسأبدأ اليوم بمقابلة مع لوردز مونتنيقرو (يا رب نطقت الاسم صح)، والتي تعمل في world benchmarking alliance وهي منظمة تخصصت في تقييم الشركات عالمياً ومحلياً بحسب المعايير التي وُضِعت لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

تتخصص لوردز في معايير الشركات التقنية المتعلقة بتمكين جميع شرائح المجتمع لاستخدام التقنية وتشجيع وجودهم في الشركات كموظفين. ومن هذه المعايير التي سألتها عنها كانت عن تضمين الإناث في الشركات التقنية. 


في المملكة واحدة من كل أربع متخرجات من الجامعة تتخصص بالرياضيات والعلوم والتقنية والهندسة. لكن ثلثهن فقط يقرر الإنضمام إلى صناعة التقنية والاتصالات. 

ويعتبر الفارق في المملكة جيد بالمقارنة مع المعدل العالمي،  فقد وصلت مشاركة الإناث في المجال التقني إلى 24.7% تقريباً، مع هدف زيادة وجودهن والوصول إلى نسبة 30% في 2030. لكن المشكلة التي تواجه الإناث لدينا هي وجودهن في وسط أو قاع السلم الوظيفي. 


موضوع أهمية تنوع الثقافات والأشخاص في بيئة العمل طويل ومشعّب، لكن يمكن اختصاره بأن وجود وجهات نظر مختلفة لحل نفس المشكلة تنتج حلولاً تناسب شرائح أكبر وأكثر في المجتمع. وأهمية وجود المرأة في فرق تصميم خدمات تقدّم لكل المجتمع يضمن أن نصف المجتمع المتلقي سيجد ما يناسبه فيها. وهذا لوحده يجب أن يكون دافعاً لأصحاب هذه الخدمات والمنتجات لفهم حاجات الإناث وتصميمها بما يتناسب معها.


أول سؤال توجهت به للورديز كان تعليقاً مباشراً لما ذكرته هي على المسرح. فقد تحدثت عن أهمية إدخال الإناث في صناعة التقنية والاتصالات والصعوبات التي تواجههن لدخول هذا المجال. 


كان السؤال : 

كيف نقنع الرجال، أن وجود النساء معهم وتوظيفهن يعود عليهم هم بالنفع؟ 


أعادت لورديز صياغة السؤال وقالت : " يجب أن يكون السؤال كيف يمكن أن يخدم هذا الأعمال والتجارة والاقتصاد؟

الموضوع ليس فقط الرجال، لكن الرجال الآن هم من يديرون الاقتصاد والأعمال لذا يجب عليهم أن يفهموا المنافع التي تعود على أعمالهم. فالمستهليكن ليسوا فقط رجال، بل نساء وأطفال ومسنين. وكون النساء في العادة يعتنين بشرائح اخرى عديدة في المجتمع فهن يفهمن حاجاتهم ورغباتهم. ولهذا تحتاج الأعمال أن تفهم كيف يمكنها أن تصمم المنتجات بما يتناسب مع جميع أنواع المستخدمين.  وإن كان لديك منتجات تخدم أنواع متعددة من المستخدمين، فسيكون لديك عملا تجاريا ناجحا. " 


هممم.. إذاً، الدور التقليدي المتوارث للمرأة أعطاها ميزة إضافية هي احتكاكها اليومي والمباشر بفئات عديدة من المجتمع وفهم حاجاتهم الدقيقة. 


كان تعليقي على جوابها هو : " إذا وجود أشخاص غير الرجال الشبان التقليديين القادرين جسديا سيعود بالنفع على العمل بزيادة الدخل والأرباح ؟  إذا ، الموضوع رأسمالي ؟ " 


وهذا أيضاً كان يتعلق بالنقاش الذي حصل على المسرح من قبل، أن ما يتحكم في القرارات الخاصة بالشركات والأعمال في قطاع التقنية والاتصالات هو في النهاية الدخل والأرباح، وأن استخدام هذه الزاوية هو فقط ما سيحدث التغيير. 


جواب لورديز :

" بالنهاية نعم الموضوع رأسمالي، وبالعودة إلى نقطة الرأسمالية، فإن الأعمال التي توجد فيها سيدات في مناصب قيادية تبلو بلاء حسنا أفضل حتى من الأعمال التي ليس فيها سيدات في المناصب القيادية. وتوجد دراسات عدة بنفس النتيجة، هذه حقيقة مدروسة وهناك  فرق في النتيجة النهائية" 


لم أكن أريد الخوض في تفاصيل صعوبات دخول المرأة لمجال التقنية والاتصالات. فهذا الموضوع قُتِل بحثاً. لذا قفزت إلى سؤال آخر .. سألتها : " هل يمكن للقرارات الحكومية والسياسات ووضعها نسبة معينة مفروضة على الشركات بتوظيف السيدات، أن تساعد ؟ " 


وكان جوابها الذي لم أتوقعه هو : " نعم، على الأقل في البداية، فالسيدات يحتجن لدفعة إلى الأعلى تيسر عليهن دخول المجال. فالأمر ليس في نقص المواهب ولكن في التعرف عليهن وإيجادهن وإعطائهن الفرصة" 

هي أكملت أيضا بأنها تعمل في منظمة نسبة السيدات اللاتي يعملن بها أكبر من الرجال والآن بدأت المنظمة بتوظيف رجال أكثر لتحقيق التوازن. وذكرت مثالا على شابة مصرية لامعة وجدت فرصتها بسبب عمل أسسته سيدة أخرى مما أعطاها الفرصة لتقود الفريق وتتطور والآن هي في دبي وتعمل في شركة للذكاء الاصطناعي، وذكرت أيضا أن الصعوبات ليست فقط في دخول المجال ولكن توجد أخرى، وقد يساعد أيضا وجود الإرشاد للإناث في العمل ووجود رعاة لهن للتأكد من كون البيئة مناسبة. 


لم أتوقع الجواب المتحمس هذا، كنت أتوقع أن تكون مترددة وتقول ربما في البداية فقط، وقد يبدو هذا الأمر غير عادل .. الخ من الإجابات الخجولة. فهذا ما اعتدت سماعه عادة، وكنت أيضاً أقلب الفكرة في رأسي، هل من العدل أن تُعطى السيدات دفعة للأمام وإجبار الشركات والأعمال على توظيفهن ؟ في بعض الأحيان أراه غير عادل، لكن كلما تذكرت أن الإناث، لمجرد كونهن إناث، تتم عرقلة تقدمهن المهني في عالمنا الواقعي، بسبب الانحيازات المسبقة والتصورات النمطية الخاطئة وثقافة المجتمعات أعود لأرى العدالة في الموضوع. 


بما أننا وصلنا إلى بيئة العمل كان لابد أن أسأل : " ألا ترين أن بيئة العمل الآن ليست مهيئة للسيدات أصلا وخصوصا الأمهات؟" 


جاوبت لورديز : " هذه مشكلة شائعة جدا في كل مكان في العالم، وقد وجدت أن من الأمور التي أحدثت فرقا بحسب ما شاهدته بشكل شخصي. هي الأماكن التي تعطي لكلا الوالدين إجازة أمومة وأبوة متساوية. فالآباء أيضا يمرون مع الأم بمرحلة الحمل والأبوة، وتبين أن الآباء أيضاً يريدون العناية بأطفالهم وقضاء الوقت معهم. لكن لم يُعطوا الفرصة من قبل" 


في وسط ارتباكي لأنني لم أحضّر جيداً للقاء، قلت :" اكتشفنا أن الرجال لديهم مشاعر أيضاً " 

يا ربي … وأنا أسمع التسجيل وددت أن أرجع بالزمن وأزيل محاولة تخفيف الدم هذه .. لكن، من حسن الحظ أن لورديز لطيفة وأخذت النكتة السخيفة وحولتها إلى أمر مهم. انتقلنا بعدها إلى موضوع الذكورية السامة التي توارثها المجتمع وكيف أن تخفيفها يساعد الرجال في أن يكونوا ما يريدونه بالضبط. 

وذكرت هي أن زميلتها حين وضعت طفلها، أخذت فقط أربع أشهر إجازة للأمومة. بينما قضى زوجها تسع أشهر في إجازة الأبوة ليعتني بطفله ويقضي معه وقت أطول. 


وكان من ضمن الإجابة " إعطاء كلا من الرجل والمرأة إجازة عند إنجاب طفل، تقلل من فكرة أن السيدات مكلّفات لرب العمل أكثر من الرجال كونهن يأخذن إجازة أمومة مدفوعة" 


لم أستطع الإثقال عليها أكثر رغم رغبتي بسؤالها عن العديد من التفاصيل. فقد بدأ على المسرح اللقاء التالي الذي كانت تنتظره. 


لورديز منفتحة للتواصل مع أي شخص يحتاج مزيد من المعلومات عن معايير التنمية المستدامة. ومتعاونة ومطلعة. وستجدون في قائمة المراجع طرق التواصل معها. 


شكرا لورديز لوقتك ولطفك وإجاباتك. أتمنى أن تحققي أهدافك وأن تستمر الشركات في احترام معايير التنمية المستدامة. 


وشكرا لكم جميعا لاستماعكم واهتمامكم. 


الحلقات القادمة كانت مع شخص تخصص في برامج تساعد المدمنين على التقنية. ومع آنسة تعمل في مراقبة وفلترة المحتوى في شركة كبرى من منصات التواصل الاجتماعي. وباحث في مجال الألعاب الاكترونية وإدمانها. وباحثين عن أخلاقيات الشركات التقنية. 


انتظرونا. 


المراجع : 


إصدارات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات - تعزيز مشاركة المرأة 

رابط آخر لنفس الملف 

عن معايير التنمية المستدامة في المجال التقني

حساب لورديز في لنكد إن 

حساب لورديز في تويتر

مقال عن تعزيز مشاركة الإناث في الصناعات الرقمية - من موقع معايير التنمية المستدامة

إبقاء السيدات في الصناعة التقنية - من إصدارات accenture

رابط آخر لنفس الملف 

رابط عن قمة سينك في إثراء




الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

هل نجد الصداقة بعد الثلاثين ؟



2021 .. نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر .. كنت أصفف شعري لأذهب إلى "الربوعية"، نظرت لوجهي في المرآة وقلت : "صار عندك صديقات يا وفاء .. لما وصلتي أربعين !! "

رحلتي في البحث عن الصداقة بدأت من الطفولة، كنت البنت الوحيدة بين ثلاث أبناء ذكور. والطفلة الهادئة غالباً في المدرسة والتي لم يكن لها حضور قوي بين الزميلات. فلم يكن لدي صديقات.. والصديقات الاتي تعرفت عليهن في المتوسطة والثانوية أبعدتهن الأيام والانشغالات ففقدنا الاتصال بيننا رغم حفظ الود.

لازلت أتذكر ذلك اليوم .. 

كان يوم ميلادي السادس والعشرون. الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أنظف أسناني استعداداً لروتين النوم مع الأطفال، لوّح لي زوجي وهو خارج لرؤية أصدقائه. 

في هذه اللحظة تذكرت أن آخر مرة تحدثت فيها مع صديقتي هي عندما اتصلت لتقول لي :" لا أستطيع احتمالك، أنتِ مدللة جداً ومملة، لا أريد أن تكون لي علاقة بك أبداً" 

كانت هي صديقتي الوحيدة.

أدركت وفرشاة الأسنان في يدي تنتظرني أن علي اتخاذ القرار، إما أن أسعى لتكوين علاقات جديدة أو أن أستسلم للوحدة.

حاولت بعدها أن أتعرف على الجارات، وزوجات أصدقاء زوجي.. وحتى أنني تقربت لبعض قريباتي وهن جميعاً أصغر مني بكثير وفي مرحلة حياتية مختلفة تماماً 

أنا متزوجة، وعندي أطفالٌ صغار، وربة منزل دون سائق. من هم في عمري إما أنهم في بداية حياتهم العملية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً.. أو في بداية حياتهم الزوجية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً. 

الأصغر يرونني مملة وأطفالي المرافقين لي في أي مكان مشكلة. والأكبر يعتبرونني مشروعهم الشخصي، فهم يريدون تقويمي وتصحيحي وتعليمي طوال الوقت. 

في يوم ميلادي الثامن والعشرين، الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أحدّق في قطعة الكعكة التي خبزتها لنفسي. تأملت وضعي مع العلاقات وقررت أنني مُستعدة للوحدة، فوجود صديقة في حياتي كان دائماً الإستثناء لا القاعدة. وكانت دائماً علاقات متعبة وثقيلة لكنني أتمسك بها لأنني لا أملك خيارات أخرى. كما أن الجميع لديه علاقاته الآن، وصلت لقناعة أن تكوين الصداقات بعد سن العشرين صعب وربما مستحيل. وتوقفت عن البحث عنهن.  نوعاً ما.. 

في منتصف سنة 2013 عادت إحدى صديقات الانترنت إلى السعودية بعد رحلة ابتعاث مع زوجها إلى كندا. رأيتها وجهاً لوجه مرة .. ثم انشغلنا بين وظيفتها ولين الصغيرة وخالد الذي ينمو داخلي. 

كنت معجبة بها جداً ولشدة خوفي من خسارتها، كنت لا أبدأ التواصل معها، وتبريري كان "لا أريد أن اُثقل عليها فتكرهني" 

استمرت هي بالتواصل والسؤال، وشيئاً فشيئاً استطعت أن أتجرأ وأبدأ التواصل معها وأشعر أنها "تحبني فعلا"، وجمعتني بعدد من صديقاتها في مناسبات متعددة، واستمرت شخصيتي الإنطوائية بالتصرف نحوهن ببرود.

في سنة 2019 انتقلنا لمنزل جديد، وهي كذلك، وحصلت على رخصة قيادة السيارة، وهي كذلك، وكبر أطفالنا وأصبح الوقت متاحاً أكثر لتنمية علاقتنا.. ثم أتت أزمة كورونا.

تلاشت خططنا بالذهاب لرحلات تسوق ديكورات المنزل، والمقاهي التي كنا نريد تجربتها.. 

في أحد تلك الأيام، كنت أشتري آنية للنباتات ووجدت واحداً جميلاً ذكرني بمنزلها فاشتريت  لي ولها. ثم عرجت على منزلها لأعطيها إياه، صادف ذلك وجود صديقتها التي عادت إلى السعودية مؤخراً، ارتباكنا مع قواعد التباعد الاجتماعي الجديدة أدى أنني لم أصافح صديقتي، لكنني حضنت صديقتها .. ((أعرف، كلما أتذكر الموقف أنكمش قليلا من الإحراج)) .. وأثناء تبادل الجمل التقليدية للتحايا، اقترحت صديقتي أن نجتمع بشكل دوري. لم أعترض لكنني لم أتوقع أن يصبح هذا واقعاً. 

مرت بضعة أشهر ثم اجتمعنا في منزلها مع صديقتها تلك، وصديقة جديدة تعرفَت عليها في وظيفتها الجديدة، في هذه المرحلة كنت أتناول أدويتي بانتظام وتعلمت الكثير من العلاج السلوكي المعرفي. أصبحت أكثر ثقة أنني لست وحشاً قبيحاً يفيض بشخصية لزجة تُنفِّر من حوله. 

الصديقتان الجديدتان ودودتان جداً، شعرت أنني أعرفهما منذ زمن بعيد وكأننا صديقات منذ الطفولة، عددنا كان صغيراً في اجتماعنا، مما سمح لي أن استرخي قليلاً وأتحدث. والصديقات غير متكلفات ولا متصنعات، وتربطنا قيم مشتركة عديدة إلى جانب حبنا للصديقة المشتركة. 

استمرت الاجتماعات الدورية، واستمرت علاقاتنا بالتطور والنمو. لم أشعر قط من قبل بهذه الأريحية مع أحد. التقبل، الاستماع الحقيقي، الأسئلة التي تنم عن رغبة فعلية بالمعرفة، الاهتمام الذي فاجأني..

ثم عيد ميلادي، الذي تذكرنه، وخبزت لي إحداهن كعكة، وتلقيت منهن هدية كنت أحتاجها فعلاً. 

هذه كلها تجارب ممتعة جديدة علي. وكنت أخشى أن أسعد بها أكثر من اللازم. لكن في ذلك اليوم الذي أدركت أنهن صديقاتي.. فعلاً .. حقيقة.. واقع.. أعدت التفكير بكل المدة منذ تعرفت عليهن. شعرت بكل السعادة التي منعت نفسي من الإحساس بها خشية ألم فقدانها. 

تغرق عيني بالدموع حمداً لله أنه يسر لي تكوين هذه العلاقات الجميلة بعدما يأست أن أجدها. وأنه وضعهن في طريقي في الوقت المناسب.

ممتنة لوجودكن في حياتي، وسام ومنى وحليمة .. أحبكن

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

بودكاست شسمه : من هو المثقف ؟

رابط الحلقة





السلام عليكم . أنا وفاء خالد، وهذا شسمه بودكاست .. عن أي شي وكل شي. كل مرة أمسك موضوع شاغل بالي وأسولف معكم.

ومثل العادة تلقون كل المراجع والنص الكامل في المدونة www.wafakm.com والروابط في وصف الحلقة. 


حلقة اليوم أكثر حلقة بحثت فيها عن معلومات بدون نتائج. لأن جميع النتائج التي وجدتها تشير في اتجاهات مختلفة لا تتقاطع مما يصعب معرفة الجواب الأقرب للإقناع. 


كان عندي سؤال بسيط جداً . من هو المثقف ؟ 


"أصل ثقف باللغة العربية، سن الرمح والسهم"


لكن هذا التعريف الذي سمعتموه لم يعد يشير لنفس المعنى الآن. حتى في الكتب التي بحثت بها وجدت عدة تعريفات كلها اتفقت على أن تختلف بمعنى كلمة المثقف، لكنها ربما اتفقت على بضع نقاط : 

  • تعريف المثقف الحالي أتى من الغرب. 

  • المثقف متعلم 

  • المثقف لا بأس أن يكون قد خرج من تخصصه إلى المجال العام وأبدى رأيه في قضية شأن عام. 


المثقفين _ هداهم الله _ جعلوا الأمر صعباً على من هم مثلي، الباحثون عن معنى المثقف ودوره. مهما حاولت قراءة الكتب التي تتحدث عن المثقف وجدت أنني لا أستطيع فهمها لصعوبة اللغة المستخدمة. 


وعلى ذكر اللغة، كنت أبحث عن معنى المثقف في مصادر عربية لأن عند ترجمة الكلمة للانجليزية نجد عدة معاني تختلف عن بعضها كثيراً. فهي قد تكون cultured ، intellectual، enlightened وكل من هذه الكلمات لها دلالات مختلفة، لا يمكن تطبيقها بسهولة علينا. 


لذا، وجدت إن أفضل طريقة للبحث في هذا الموضوع خصوصاً لأن الموضوع مجرد تساؤل وليس بحث علمي رصين، أن أسأل أكبر عدد من الناس، لأفهم الصورة الدارجة عن الشخص المثقف. 


"اللي يقرأ، اللي يبحث، اللي عنده معرفة جيدة ويلم بمعلومات كثيرة .. هذا هو المثقف. مو لازم يكون متعلم. ممكن يكون عنده درجات عالية من العلم لكنه غير متثقف. اللي يقرأ واللي يبحث واللي يدور هذا هو المتثقف  
- يعني موسوعي المعرفة ؟ 
- نعم موسوعي المعرفة "


الغريب في موضوع الشخص المثقف أن الجميع اتفق على احترامه وأهمية المثقفين في المجتمع، والكثير يتمنى أن يكون حوله مجموعة من الأصدقاء أو العلاقات مع المثقفين. لكن اختلف الأغلبية على تعريف معنى المثقف. 


من الأشياء التي لاحظت اتفاق الناس عليها هي : 

  • الموسوعية. كي تكون مثقفاً يجب أن تعرف شيئا عن كل شيء. وأن يكون لديك التواضع الكافي للاعتراف بالجهل والرغبة بالتعلم.  ومن الأشياء التي سمعتها تتردد في تعريف المثقف هي القراءة والمعرفة. 

  • الخبرة الحياتية. إذ أن المعلومات لوحدها لا تعني شيئاً ما لم تسندها تجارب الحياة الواقعية ومعارك الإنسان اليومية. 

  • التعليم. نقل هذه المعرفة التي جمعها من مصادرها المتعددة إلى الآخرين بطريقة لا تقلل من شأنهم. 


ورغم أن جميع ما سبق من شروط المثقف يصف التهذيب. إلا أن سؤالي عن هذه النقطة بالذات جعلت الناس يختلفون. 

فالبعض قال لابد للثقافة أن تهذب الإنسان في تعاملاته مع الآخرين. ولا يمكن أن تجتمع الثقافة مع قلة التهذيب. 

وآخرون ذكروا أن الصفتين لا علاقة لهما ببعض. 


وحمزة شحاتة في محاضرته اللي عنوانها " الرجولة عماد الخلق الفاضل" يقول إن العكس ممكن صحيح .. وهنا اقتبس جزء منها  :  " قد يكون الإنسان فاضلاً ونصيبه من حرية الفكر نصيب منقوص ".  ص 173 


" مستحيل، لأن المثقف لازم يكون مثقف في كذا جانب من أول هذه الجوانب وأهمها هي الثقافة في اللباقة مثلا. ثقافة التعامل، ثقافة التواصل مع الناس. فمستحيل يكون غير لبق. إلا إذا يكون حافظ ومو فاهم " 

"- هل ممكن يكون مثقف وغير مهذب بنفس الوقت ؟
- ايه عادي، أنا ..  "

" كثير من الأشياء اللي يربطونها الناس بالتهذيب أنا ما أشوف لها رابط، يعني، لا الثقافة ولا القراءة ولا الموسيقى  ولا الفنون اللي دايما تربط بتهذيب النفس، أنا لاحظت إن في عندهم رابط شرطي لها، لكن ممكن تلاقي انسان ماله علاقة بكل هذه الأشياء وشديد التهذيب ونقي من داخل، والعكس صحيح. وتلاقين ناس فنانين وكذا وأنقياء من الداخل. لكن أنا قناعتي الشخصية أنه ليس بسبب الثقافة أصبح نقي. مافي رابط شرطي"

" أيوة لازم يكون المتثقف ذو أخلاق عالية. يعني، ملم بالدين والأشياء هذي فلازم يكون أخلاقه جدا عالية في التعامل مع الناس كذلك" 


طيب كيف ممكن الانسان يصير مثقف إذا المثقفين صعبوا علينا فهم هم مين، وتصورات الناس عنهم مختلفة ؟ 


القراءة أكثر إجابة تكررت، لكن صديقتنا المبدعة حليمة تقول شي آخر


"اللي يطالع أفلام وثائقية كثيرة ثم يسوي نفسه كأنه يقرأ كثير " 


إذاً مصادر الثقافة متعددة، والقراءة ليست الشرط الوحيد لها، لكن من الضروري أن يظهر الشخص وكأنه يقرأ كثيراً ؟ هل الإطلاع هو النقطة الرئيسية إذا وليست القراءة بذاتها ؟ 


من الإجابات التي سمعتها كانت الخبرة، الثقافة هي الخبرة في الحياة، ومن تعريف الناس لمفهومهم عن الخبرة في الحياة فهمت أنهم يقصدون الحكمة أكثر، والبعض أضاف التعاطف مع الآخرين وفهمهم.


"- مافي أحد انولد وما يعاني.

- هل ممكن يكون شخص مترف وولد في فمه ملعقة من ذهب وفي نفس الوقت مثقف ؟ 

- على حسب، ممكن أكون مولود في عالم كل شي فيه مثالي لكن ما أكون مثقف. لأني ما تربيت على الثقافة، ما تربيت على إني أتعلم ما زرعت في نفسي شي يخليني اتعلم أو يخليني أبغى أعرف ويكون عندي فضول للمعلومة" 


هممم .. التعلم، والخبرة في الحياة .. لم يكن هذا الشخص الوحيد الذي ذكر هاتين الصفتين. 


أعتذر مقدما عن سوء التسجيل في المقابلة الجاية، اخترت مواصفات معينة كانت غلط بدون ما انتبه وتحسفت إني ما أحط كلامه المهم في الموضوع 


" - كيف كانت شخصيتها ؟ 

- كانت امية لكن كانت مثقفة. 

- كيف ؟ 

- تعرف الحياة يعني. الثقافة مو بس بالقراءة. الله يرحمها كان عندها أسلوب في كيف تعطي المعلومات ولها خبرة حياة. الثقافة مو شرط إنها علم، قد ما هي خبرة" 


في حال لم يكن ما قاله واضحاً .. جدته التي لم تكن متعلمة، كانت مثقفة لأن خبرتها في الحياة كبيرة. 


صار تعريف المثقف أصعب حتى من تعريف الذكاء الذي تشاجر في موضوعه وقياسه العلماء في بحوثهم. ووصلوا الآن إلى شبه اتفاق. أن الذكاء أنواع. فهل يمكن أن تكون الثقافة أنواع ؟ طيب ما هي الأنواع ؟ 


هل نقسّمها على الموضوع الذي يهتم به الشخص ؟ مثلا هذا ثقافته في علوم الفضاء وهذا ثقافته في الشعر.. وهذه ثقافتها في التربية والتعليم ؟

أو نقسمها على نوعها وتوجهها ؟ فهذا شخص مثقف في علوم الكتب، وهذا مثقف في علوم الشارع وتحديات الحياة، وهذا مثقف في حكمته وتعاطفه مع الآخرين ؟


إذا كيف يمكن تفسير تعبير " هذا الشخص ثقافته عربية " و "ذاك الشخص خلفيته الثقافية فرنسية" أو إيطالية أو صينية ؟ 

ما الذي يقصد هنا بالثقافة ؟ اللغة التي يتحدثها الشخص ؟ أم درجة إتقانها لها ؟ أم مجموعة من طرق التفكير التي توصل لها مجتمع معين ؟ ماذا عن الأساسيات التي اتفقت عليها المجتمعات، إلى أي ثقافة تنتمي ؟ 


" كان عندي استاذ ما شاء الله عليه. كنت أسأله أي سؤال وما شاء الله عليه كان يجاوبني. كنت أسميه الموسوعة، هو كبير في السن فله خبرة كثيرة، وحتى لو أقول له معلومة هو يعرفها لكنه لا يقاطعني ويقول كلنا نعرف هذه المعلومة  وما يحتاج تقول لي. يخليني أكمل، إذا في شي ما ذكرته هو يفيدني من معلوماته ويساعدني. هذا هو الشخص المثقف اللي يعرف يشارك معرفته للغير عشان يثقف الآخرين" 


هل نختار الثقافة ؟ أم تختارنا الثقافة ؟ 

هل هذا اللقب تشريفي ولا ينبغي للشخص أن يصف نفسه به ؟ أم يصح لنا أن نختار الإنتماء إلى آل مثقفين ؟ 


اتفق الجميع على أن " المثقف " مطلوب في المجتمع ومحترم ويتمنون زيادة أعدادهم في المجتمع والاحتكاك بهم. 


طيب كم لنا أن ننضم لنادي المثقفين ؟ ونحن نجد بعضهم يصفنا بالدخلاء والمندسين ؟ 


وإن قبِل بنا بعضهم كي يدلونا الطريق. وجدنا هؤلاء الذين قالوا أن وجود المثقفين مهم يسخرون منا. وبوعي منهم أو بدون وعي، نجد عندهم صورة خارجية معينة للمثقف.


" كنا كل وحدة تعرض صفات فارس الأحلام. كانوا دائما يوجهون لي سؤال: فاطمة ما هي مواصفات زوج المستقبل ؟ كانت عندي صفة وحدة أقولها. كنت اقول ابغاه مثقف. وكانوا يضحكون. عندهم مفهوم الثقافة والشخص المثقف يختلف عن المفهوم عندي. فكأنما يضحكون إنه يكون لابس نظارة ماسك كتاب وهكذا .. فأنا كان صعب اشرح النقطة هذه لأن مفهوم الثقافة يختلف من شخص لشخص. فأنا مفهوم الثقافة عندي جدا عميق ومهم لدرجة إنه شي أساسي بحياتي"


كل الأشخاص اللي سألتهم، في نهاية المقابلة سألتهم إن كانوا يعرفون شخص مثقف في حياتهم وكلهم أجابوا بنعم. وطريقة وصفهم لهذا الشخص كانت قريبة من إجاباتهم عن الأسئلة التي قبلها. فهم فعلا بنوا هذه الصورة عن المثقف من نموذج موجود في حياتهم وغالباً شخص يحبونه وتذكروه بسرعة مهما بعدت آخر ذكرى للقائهم معه.


" أتوقع شخص مثقف أعرفه بحياتي، أمي، لأنها مرت بظروف كثيرة صعب الناس يتخطوها بسهولة. وهي في مجالها في الطب .. تتوقعي إنها تركز في هذا المجال وما عندها وقت تثقف نفسها في أشياء ثانية. لكن اللي اكتشفته وعرفته مع الوقت إنها متثقفة في كثير أشياء. وإن ثقافتها مو بس من اللي تتعلمه وتدرسه. لكن من تجاربها في  الحياة أكثر.. فنعم .. أمي " 

ربما كان يمكن تعريف الثقافة سابقاً بطريقة أسهل، أو ربما لم أبحث عن الإجابة بشكل أعمق. لكن هذه الحلقة تنتهي وأنا لم أجد إجابة بعد، رغم كل ما قرأته واطلعت عليه. 


أنا الآن أطلب منكم تعطوني شرح للمثقف وإعطائي المراجع. لأنني لازلت لا أعرف.


تواصلوا معي في أي مكان..  أنا في انتظاركم. 

المراجع 

المثقف والآخر : على هامش إشكالية نشوء المثقف 

صورة المثقف عند واسيني الاعرج رواية مملكة الفراشة نموذجا

أين ذهب كل المثقفين؟ تتضمن رداً على نقادي

دور المثقف في التحولات التاريخية 

" قد يكون الإنسان فاضلاً ونصيبه من حرية الفكر نصيب منقوص " 173 ، حمزة شحاتة ، الرجولة عماد الخلق الفاضل