أهلا ..
أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة وتعالوا نسولف.
جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة وفي المدونة.
حضرت مؤخراً، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم.
لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت معي الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذين حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي.
ملاحظة:
كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار.
سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.
" In every job that must be done there's an element of fun. You find the fun and snap, the job is a game"
تقول ماري بوبنز : "في كل عمل يجب أن تنجزه يوجد عنصر للمتعة. إذا وجدته، يتحول العمل إلى لعبة"
مفهوم تحويل المعلومات الثقيلة إلى لعبة لتيسير الفهم ليس جديداً. من أشهر الأمثلة القديمة عليه هو لعبة مونوبولي. والتي اخترعتها ليزي ماقي Lizzy Magie سنة 1903 بهدف شرح الرأسمالية وتجارة العقارات. وتحولت عبر الزمن إلى الشكل الذي نعرفه.
عناصر المتعة من إمضاء الوقت مع الأصدقاء حولها والشجارات المضحكة التي تحصل والتنافس بينكم والقصص التي تُحكى حول لوح اللعب والعشوائية التي تتحكم بمصير اللاعبين. جعلت مونوبولي وما شابهها من ألعاب هدف بحد ذاتها بغض النظر عن الهدف الأساسي الذي صُممت له.
هذه العناصر تم تبنيها وتطويرها عبر شركات الألعاب ومصمميها، جيلاً بعد جيل ولعبة بعد أخرى. وصار بناء الألعاب يعتمد على قواعد وأسس مستقاة من علم النفس والآن مع رقمنة كل شيء، البيانات.
فمصممي الألعاب الآن يعرفون أن العشوائية في الهدايا التي يحصل عليها اللاعب عند الفوز عنصر جذب يجعله يستمر في محاولة الحصول على المزيد. ويعرفون أيضاً أن المرحلة التالية يجب أن تكون أصعب من مهارة اللاعب الحالية بما يكفي لتكون اللعبة مشوقة ولكن دون ارتفاع بالصعوبة يجعلها مستحيلة.
ونرى أثر هذه المجهودات ونجاحها في المليارات من الأموال التي تدور في فلك عالم صناعة الألعاب. واستعداد الناس بمختلف الأعمار والثقافات لقضاء الساعات من أوقاتهم لحل الألغاز ومحاربة الوحوش واكتشاف المنتحل من أصدقائهم.
وأينما كانت الأموال تجد الأعمال تراقبها لتتعلم. ففي البداية كانت الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الموظفين هي العصا والجزرة. لكن هذا المودل القديم من التعامل مع الموظفين لا يتناسب مع الطبيعة البشرية التي اكتشفها الاقتصاديون والإداريون أخيراً.
فكيف يمكن للمودل القديم أن يفسر تخصيص شخص من وقته وجهده وماله حصة كبيرة، لتعلم هواية لا تعود عليه بالنفع الذي يعرفه هذا المودل (كالأموال والشهرة وغيرها ) ؟ أو موجة الاستقالات التي تحصل الآن ليتخلى الناس عن بعض المنافع المادية مقابل بيئة عمل أفضل أو عمل له مردود معنوي أعلى ؟
وكما يقول دانيل بينك Daniel Pink : " اكتشف الاقتصاديون أننا لسنا روبوتات محركها اقتصادي "
طيب ما هي علاقة كل هذا بالألعاب ؟
كما ذكرنا من قبل، عالم الأعمال يراقب تحركات الأموال ويتعلم منها. وقرر الإداريون أن يدخلوا عناصر اللعب على بيئة العمل لدفع الموظفين لمزيد من الإنتاجية. ومن هنا جاء مفهوم التلعيب، أو gamification أو gamifiying الوظيفة.
وتوجد عدة تجارب في هذا المجال وأبحاث لازالت تُدرس وتُناقش. لكن عالم الأعمال مستعجل ولا ينتظر نتائج الدراسات المتأنية. فأخذت بعض الشركات مبادئ الألعاب وطبقتها.
كنت أكلم الباحث في السلوكيات الإدمانية Tony van Rooij في قمة سينك (إذا نطقت الاسم غلط فهو لأني ما أعرف هولندي) عن موضوع التلعيب وإدخاله في بيئات العمل. وإذا كانت الفكرة جيدة.
وكان جوابه : " يعتمد على طريقة التطبيق، فالطريقة التقليدية هي بوضع قائمة للأفضل أداء، وإعطاء الناس نقاط على بعض الأعمال، ويمكن أن يخلق هذا تأثيرات جانبية من نوع تقييم الأشخاص لبعضهم وإيجاد الثغرات للعب على النظام. لكن لو تم تقسيم العمل إلى أقسام أصغر واستمرار التقييم حتى قبل نهاية العمل الأكبر (الترجمة الحرفية هي مكافأة الناس على أدائهم في المنتصف) هذا منطقي أكثر بالنسبة لي. "
كلامه هنا ضرب وتراً عندي، فأنا أكره المنافسة مع الآخرين، وبمجرد أن يصبح الوضع تنافسياً بشكل مسموم وتدخل فيه محاولة الفوز بكل الطرق والتركيز على الآخرين بدلا من نفسي وفريقي، أفقد الاهتمام بالأمر كُله. لطالما حاولت إقناع أطفالي وكل من أعمل معهم بأننا لا ننافس إلا أنفسنا، وعلينا فقط المقارنة بين مستوانا الحالي والسابق ومعرفة إذا كنا نسير في الطريق الصحيح ونتحسن. التعلم من الآخرين والتعاون معهم لنفوز جميعا ونتقدم. وعلى الرغم من أن ما سأقوله الآن يعتبر مكرر وممل لكنه صمد في اختبار الزمن لأنه يحمل الكثير من الصحة وأنا أؤمن به "القمة تتسع للجميع". والمراكز موجودة لنعرف مستوانا في المهارة التي نريد إتقانها. والمنافسات موجودة لتشجيع تسريع التقدم. لا أكثر.
ذكر توني مثالا يعتبره جيدا في استخدام مبادئ الألعاب، وهو التعليم :
"من ناحية التحفيز، استخدم التلعيب في التعليم، فإن كان لديك برنامج تعليمي مدته ثلاث أشهر ويتم التقييم في النهاية، هذه مدة طويلة جدا في انتظار التقييم بينما في الألعاب تأخذ التقييم مباشرة بعد المهمة وبعدد مرات أكثر وتكرار أسرع، فإن تم تصميم البرنامج التعليمي بطريقة أفضل في حدود مبادئ الألعاب وحتى في البرامج التعليمية للموظفين داخل الشركات، فهذا سيساعد بشكل أفضل"
سألته بعدها عن شركة سمعت مقابلة مع أحد مؤسسيها يقول فيها أنه استخدم مبادئ التلعيب في تقييم موظفيه وتحفيزهم. فشرحت له الطريقة كمثال موجود حاليا وقارنته بتطبيق دوولينقو duolingo واستخدام المبادئ فيه لإبقاء المتعلم فترة أطول دون أن يفقد الاهتمام.
يجب أن أعترف أن أفكاري كان مشتتة في كل مكان هنا ولم أصغ أسئلتي بطريقة منطقية وواضحة.
توني رتبها لي في إجابته : " في حالة دوولينقو قد تكون (مبادئ التلعيب) مفيدة، لكن في حالة الشركة التي تحدثنا عنها قد يشكل هذا مشكلة. وهناك أمثلة على ذلك، فكل الاقتصاد التشاركي حيث يعمل الأشخاص في أعمال صغيرة ويعتمد بالكامل على تقييم العملاء. الثقة بالشخص أو مقدار ما يدفع له يعتمد عليه، وقد يصبح الأمر قابلا للتلاعب، بحيث تتلاعب الشركات بالموظفين عبر لمكافآت والتقييم أو امتلاك العملاء وزن كبير في التقييم يجعله طريقة غير منصفة ربما"
وأكمل ليتحدث عن مثال أفضل : " هناك تجربة مشهورة في الحديث عن مفهوم التلعيب، فشركة ديزني حاولت إدخاله على قسم تنظيف الغرف ووضعوا قائمة للأعلى أداء والتقييم كان على سرعة الأداء، ثار الموظفين على هذا النظام، كونه يزيد الضغط على الموظفين بطريقة غير صحية ليحققوا هذا مؤشر الأداء هذا فقط، فلا يمكنهم أخذ راحة، وبدلا من العمل بسرعة تناسب الشخص كي يستطيع الاستمرار في الوظيفة لفترة أطول، فيمكن أن يتسبب النظام بآثار جانبية سلبية. كما أنه يضغط عليهم لجعل معلوماتهم متاحة للكل وجعلها معلومات للمنافسة. يمكن للإدارة بالتلعيب أن تكون إيجابية إن استخدمت بطريقة صحيحة أو سلبية إن استخدمت بطريقة خاطئة. فمثلا في دوولينقو الموضوع مختلف، فأنت فرد تتعلم لغة، وتأخذ تقييم مباشر على أدائك لذا فالنظام ليس سلبيا دائما" كونه باحث في موضوع السلوكيات الإدمانية، وكوني أم، كان لابد أن أعرج على نقطة لازلت لا أعرف كيف أتصرف معها، ففي بداية أزمة كوفيد_19 انقطع الأطفال عن أصدقائهم تماما، وفقدوا حياتهم الاجتماعية فجأة، فاضطررت أن أسمح لهم باللعب على أجهزتهم مع أصدقائهم لفترات أطول لتكوين هذه العلاقات بينهم وعدم حرمانهم من نظرائهم ومن مفهوم اللعب الجماعي وكنت أضرب المثال بلعبة روبولكس roblox. الآن بدأت الأمور تعود لطبيعتها لكن أطفالي كوّنوا هذه العادة من اللعب لفترات أطول. كيف يمكنني أن أوصل لهم فكرة أن اللعب عبر الانترنت ليس هو الحياة ؟ ومثل كل حلقة، أتى الجواب غير المتوقع : " لدي أكثر من وجهة نظر في هذا الموضوع، ربما أولا يجب أن تعيدي التفكير في مفهومك عن (روبلوكس) فهي بالنسبة لهم حياة، فهناك يتواصلون، والتواصل فعلا له معنى بالنسبة لهم، نحن كبالغين نعرف أن الحياة لها جوانب أخرى ونريد لأطفالنا أن يخوضوا هذه التجارب. ما سأقوله صعب لكن للوالدين دور في وضع الحدود، وليس دائما بالإجبار، لكن بالشرح للأطفال وتوجيههم إلى تنويع نشاطاتهم بحيث تتضمن النشاطات الجسدية كالحركة، والتواصل بشكل شخصي (يقصد هنا خارج الإنترنت)، والتواصل أيضا بطريقة رقمية لكن دون إسراف. فهناك فكرة دارجة في هولندا أنه يمكن أن يُسمح للطفل ليوم واحد في الأسبوع أن يفعل ما يشاء في وقت فراغه، بينما تُتبع القواعد الأكثر صرامة في بقية أيام الأسبوع. التنوع ربما جزء من الحل. وهناك نقطة مهمة أيضا وهي: يجب أن تتواصل مع الطفل عن تجربته الرقمية. مالذي يفعله هناك ؟ ما تعنيه له ؟ هل الطفل هناك فقط ليتحدث مع أصدقائه ؟ وإن كان الأمر كذلك، يمكن للأهل التواصل وترتيب لقاءات مباشرة في نشاطات أخرى خارج العالم الرقمي. دون أن نركز فقط على روبلوكس، هذا باعتبار أن روبلوكس مكان لطيف للعب، لأنني أعرف أنه يواجه العديد من المشاكل خاصة فيما يتعلق بالمبرمجين والدفع لهم."
في النهاية إذا، الموضوع يعود إلى طريقة التطبيق والإسراف في الاستخدام. مثل كل شيء آخر.
إن كنت تريد استخدام مبادئ اللعب في مشروعك، فكر جيداً واستشر المختصين وطبّق بحذر كيلا تعود النتائج عليك بسلبية. ونحن كأشخاص علينا مسؤولية الانتباه على أنفسنا من الغرق في هذه الدوامة التي تتنافس على وقتنا ومهارتنا باستخدام مشاعرنا وأفكارنا.
شكرا لاستماعكم وسامحونا على القصور في الإعداد لهذه المقابلات.
الحلقات القادمة ستكون مع شخص تخصص في معالجة إدمان التقنية، وشابة تعمل في مراقبة المحتوى في شبكة تواصل اجتماعي كبرى، وباحثين من جامعة أبوظبي في أخلاقيات العالم الرقمي.
والحلقة الماضية كانت عن دور المرأة وأهمية وجودها في مجال الاتصالات والتقنية.
جميع المراجع وبعض الاقتباسات من كتاب drive في المدونة ورابطها مثل العادة في وصف الحلقة.
توني موجود على لنكدإن وتويتر لمن يحب أن يتواصل معه. ورابط التواصل معه موجود مع المراجع.
المراجع :
Game challenges and difficulty levels: lessons learned From RPGs
Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us by Daniel H. Pink
اقتباسات :
“The problem with making an extrinsic reward the only destination that matters is that some people will choose the quickest route there, even if it means taking the low road. Indeed, most of the scandals and misbehavior that have seemed endemic to modern life involve shortcuts.”
― Daniel Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us
“Being a professional,” Julius Erving once said, “is doing the things you love to do, on the days you don’t feel like doing them.”
― Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us
economists are finally realizing that we’re full-fledged human beings, not single-minded economic robots. And perhaps most important, it’s hard to reconcile with much of what we actually do at work
― Daniel H. Pink, Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق