‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة بعثرات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة بعثرات. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 9 مارس 2009

لا تحزن إن الله معنا

القصة قديمة .. أطنني كتبتها وأنا في التاسعة عشر أو العشرين من عمري ..

---

انتهى بها برنامج وبدأت بها قصتي ..
كانت هي الجملة التي قالها لي زميل أحس أنني ربما أكون بجانبه داخل كل الظلام الذي يحيط بنا لتغطيتهم وجوهنا بالخيش وأعيننا بالشريط اللاصق .. أعدت قولها قبل أن يلصقوا على شفاهنا الشريط اللاصق ...
يد قوية أمسكت بساعدي ثم أحسست بوخزه ما .. حاولت المقاومة ولكن تلك السلاسل اللعينة حول يدي وقدمي والتي اتصلت ببعضها لتجعلني في وضع مائل .. منعتني .. ثم أحسست برأسي ثقيلاً .. ثقيلاً جداً .. وفقدت كل الإحساس .. ثم الوعي ...
استرجعت كل الأحداث التي حصلت لي في الأيام ما قبل فقداني الوعي في أحلامي ..
هربنا إلى القبائل بعيداً عمن يريد قتلنا آوونا مؤقتاً حتى ظهرت تلك المكافأة الكبيرة والتي أغرتهم بتسليمنا لهم ففعلوا ... نقلنا كحيوانات السيرك في حافلات بل إنها أقفاص وضعت لها عجلات وشيئاً يصدر صوتاً مزعجاً يحركها .. ثم وضعنا في سجن آدمي لمدة أيام محدودة حتى كان نقلنا إلى مكان مفتوح حيث حلقت رؤوسنا وجردنا من ملابسنا في محاولة منهم لتجريدنا من كرامتنا .. رمينا في مكان ما بعدما ألبسونا ملابس معينة وسلاسل تعيق حركتنا وبالخيش والأشرطة اللاصقة غطيت حواسنا .. من بصر ونطق وسمع .. رمونا في مكان جدرانه مصفحة كسيارات البنوك .. ثم كانت تلك الوخزة التي نمت على إثرها ..
صحوت ... كنت لا أستطيع التوازن ... ذلك الشيء الذي وخزوني به .. لابد أنه هو ما يجعلني أترنح .. لا بد أنه مخدر .. أمسكت بي أربع سواعد تسحبني إلى مكان ما .. أريد المقاومة ولكنني لا أستطيع .. ذلك المخدر وتلك السلاسل التي تجعلني منحنيا وتجعل يدي وقدمي قريبتان من بعضهما بشكل يعيق الحركة ... طريقة التقييد هذه تنقص عصا يعلقونني بها كما يفعل بحيوان الرنة .. لم استطع أن أقاوم أكثر .. رأسي كما لو كان في خلاطة كهربائية .. وذلك الصداع كما لو كانت مطرقة تهشم رأسي .. سقطت ..
لم أشعر بالذي يحصل ولكنني صحوت لأجد نفسي في قفص .. طوله متران وعرضه متر وقليلاً .. فك قيدي .. وأطلق سراح حواسي .. لا لشيء ولكن لتعذيبي أكثر .. فعندما أعرف أنني في هذا المكان وعندما أرى ما حولي لا بد أن أتعذب .. خرقة على الأرض اتفقوا على تسميتها غطاء .. وخرقة أخرى زاهية اللون بجانبها حذاء سموها لباس .. وسطل هناك في الزاوية فارغ ..
(هناك)؟!؟!؟.. إنني أجعله يبدو بعيداً .. إنه هنا بجانبي في الزاوية ...عرق كثيف ينضح مني على الرغم من عريي إلا من ملابسي الداخلية .. الحر شديد .. شديد .. حلقي يحرقني طلبا للماء .. ألبس ملابسي ثم أتمسك بباب القفص وأهزه كما تفعل القرود مناديا لعل أحدهم يسمع .. أخيرا ... أتى ... أطلب منه الماء .. فيتلكأ في الذهاب ويقف قليلا في كل خطوة ليكلم زميلا سجانا له في كل سخافة قد تخطر على بال .. ثم يأتي .. أخيرا .. يأتي ساحبا خرطوم مياه .. يطلب مني أن أقرب سطلي .. اتسعت عيناي دهشة .. وتوقفت لحظة لاستيعاب ما قال .. فأعاد قوله .. وفعلت مثل ما قال .. ملئ السطل .. وملأت ذاكرتي بصور كل الحيوانات التي تشرب منه ...
شربت وغسلت وجهي وجسمي ثم أعدت ارتداء ملابسي .. الوقت ليل وعلى الرغم من ذلك أستطيع الرؤية بكل وضوح .. فالأنوار الكاشفة القوية جدا والحارقة مسلطة علينا ..
تمددت – إن كنت تستطيع قول ذلك - على الأرض .. وبدا شكلي كالقريدس (الروبيان) منكمشا فإن مددت ساقاي قد أضرب السطل فأسكب الماء .. ووضعت الغطاء تحت رأسي لأسنده ... وبدأت التفكير ..
أين أنا ؟؟؟ كل هذا الحر في الشتاء ؟؟؟؟ مالذي يريدونه مني ؟؟؟ أين أصدقائي ؟؟ هل يعلم أهلي ؟؟؟ مالذي سيفعلونه بي ؟؟؟
لماذا هذه المعاملة ؟؟؟ ما هو الوقت ؟؟؟ ..... انفجارات قوية كانت في عقلي وبطني معا .. فالأفكار تدوي والأمعاء تغرّد جائعة ...
وضعت ذراعي حول بطني محاولا إسكاته لأستطيع التركيز ... ولكن هيهات وهذه المطرقة فوق رأسي تدق ... وقفت لأنظر فربما أرى أصحابي ..يميني وشمالي الأقفاص فارغة وهناك في البعيد تتمدد خرقة زاهية .. لا إنها (عاصف) متمددا على الأرض ... وركزت النظر أكثر لأرى آخرين أعرفهم شكلا فقط ولا أعرفهم كثيرا ...
البعض يتمتم .. والآخرون ينوحون .. والكثيرون نائمون ... والأغلبية مفقودون .. ما الذي يحصل؟؟؟ ..
بعد ساعات .. تقدم أحد السجانين من قفصي ... طلب مني الاقتراب !! .. ظننت أنه لربما معطيني شيئا أتبلغ به .. ولكن .. أعطاني أصفادا حول يدي وقدمي .. ثم طلب مني الخروج من القفص ببطء وتمسك بي أربع أذرع فأمشي ساحبان إياي في ممر طويل أحاول رفع رأسي فيمنعونني .. وقعت على بقعة ما من عيني صورة ( ثائر ) مقيدا بالأصفاد وممددا على نقالة وهو يبدو نائما .. عندها خفت .. وصلت بعد لحظات إلى غرفة بنيت من الخشب وبها مكيف هواء .. وضعت على كرسي وربطت ببعض الأحزمة عليه على الرغم من كل سلاسلي .. " لابد أنهم خائفون مني " فكرة خطرت في عقلي ..
تقدم مني رجل ضخم .. جدار آدمي .. أكمامه تكاد تتفتق حول ذراعيه ..يلبس لباسا عسكريا .. حذاءه العسكري العملاق داس على أطراف أصابع قدمي الحافية وهو يتفقد الأحزمة والأصفاد إن كانت موثقة ... إحساس بانسحاق مشط قدمي تجاهلته ... ثم وقف خلفي...


وقف خلفي ... ثم دخل شخص آخر يلبس اللباس المدني .. لم يتفوه بكلمة للحظات .. اتجه إلى مكيف الهواء ووقف أمامه .. نزع ربطة عنقه ورفع أكمامه .. علام ينوي ؟؟؟ .. لست أدري .. خصلات شعره اللاصقة بمقدمة رأسه بسبب العرق بدأت تجف وتطير مع هواء المكيف .. التفت إلى الطاولة الصغيرة التي تفصل بيننا .. استند عليها ثم قال : " نحن نعرف عنك كل شيء .. فلا تتعبنا ... اعترف لتخفف عنك العقوبة .. " لم استطع إخفاء الابتسامة التي ارتسمت على وجهي .. حاولت أن أبدو جادا ولكنني لم أستطع .. فضحكت .. ضحكة صغيرة مبتورة ... فقد قطعها علي عندما ثارت ثورته وأمسك بتلابيبي وهو يغالب رغبته بالصراخ ويقترب وجهه من وجهي ويقول : " علام تضحك .. علام .. هل تتخيل نفسك على الكرسي الكهربائي ؟؟.. أم أنك ترى صورتك في الجرائد معلقا كأي حيوان آخر من جنسك ؟؟.."
استرخيت في مقعدي وقلت بسخرية : " مادمت تعرف عني كل شيء .. فماذا تريديني أن أقول ؟؟ "
أرخى قبضته وابتعد عني .. أخرج من جيبه منديلا قماشيا عملاقا .. يصلح لأن يكون كفنا لجسدي النحيل .. جفف قطرات العرق التي تنضح بها مساماته ثم رماه على الطاولة ... جلس على كرسي وأسند مقدمة رأسه على يديه المتشابكتين .. ناظرا إلى الأسفل ومتنهدا أشار بأحد أصابعه إلى الجدار الآدمي الذي خلفي ... فأدار كرسيي لأواجهه .. وابتسم ساحبا إحدى زوايا فمه (إن قدر للجدران أن تبتسم ).. وبنظرة محدقة إلى عيني بادلته إياها اختفت ابتسامته وارتفعت يده لتصفعني ... وفعلت ... أعدت إليه النظرة المحدقة مرة أخرى .. فصفعني مرة أخرى ... حدقت في عينيه مرة ثالثة وابتسمت ... فرفع قبضته ليلكمني ولكن يده توقفت بعدما سمع صوت الرجل الآخر يقول :" لا تتعب عضلاتك ... هؤلاء لا يصلح معهم هذا الأسلوب .. أنصحك باستخدام الأسلوب (ب).." فتحرك الجدار وأخرج حقيبة من مكان ما .. وضعها على الطاولة التي أصبحت خلفي فتحها وأخرج شيئا عرفته عندما غرزه في ذراعي .. كانت إبرة .. وضع فيها سائل ما ..طبعا حاولت المقاومة ولكنني توقفت عنها عندما عرفت أن لا أمل في الخلاص منها .. تدفق السائل في عروقي ... بعد هذا تركاني في الغرفة و ذهبا .. في وساوسي غرقت .. ثم بعد وقت ليس بالقصير .. انتابتني حالة من السعادة ... وحالة من الضحك الهستيري .. عندها دخلا مرة أخرى ... ولست أتذكر أي شيء مما حصل بعد ذلك ... سوى أنني كنت في قفصي صباحا .. متمددا .. أظن أنني كنت نائما .. توجهت إلى السطل لأجده فارغا .. وكما العادة تعلقت بالقفص وناديت ... (قد يرد من به حياة ولكن لا حياة لمن تنادي ).. هو أفضل شيء أصف به ما حصل ...
تيممت وصليت وبدأت أقرأ القرآن ... ثم فكرت بأمي وعائلتي .. أتمنى لو أنهم لا يعرفون عني شيئا ... ليتهم يعتقدون أنني ميت ... لا أريد أن تعرف والدتي أنني في هذا العذاب وهذه المهانة .. فما ذنبها تتعذب معي ؟؟..
استمر الحال كما هو .. ممنوع التكلم مع الزملاء .. ممنوع طلب أي شيء ... ممنوع ...ممنوع ... ممنوع ...
بعد صلاة العصر .. قدموا لنا شيئا سموه طعاما ... لن أتكلم أكثر ..لولا بقية من تهذيب لقلت أنه (يبدو وكأنه طعام تم أكله من قبل ) ...
فجأة انتابتني حالة من الحكاك .. جسمي كله يدفعني لهرش جلدي ... مالذي يحصل لي ؟؟؟.. تقدم مني شخص لا أعرفه كان يجانبي في زنزانته ... همس لي : " إياك أن تصرخ ... أعرف أن حالتك تدفعك لذلك ... ولكن إياك أن تفعل ... أنت لا تعرف ما حصل لك ... لقد حقنوك بالمخدرات لتصبح مدمنا فيجبروك على أن تعترف بما يريدون .. أنا كنت طبيبا قبل أن أصل إلى هنا .. اسمي (ذاكر) .. باكستاني .. كنت أعيش في المملكة المتحدة قبل أن أزور باكستان فيشتبهوا بي .. إياك أن تظهر لهم أنك تحتاج للمخدر "
ثم عاد إلى مكانه قبل أن يرانا أحدهم ..
اضغط على أسناني كيلا أصرخ .. أحضن نفسي لأتوقف عن هرش جلدي .. أقرأ القرآن .. أدعو الله ... وكان (ذاكر) يشير لي بأن احتمل ..
وفجأة وجدتني استند على أحد زوايا القفص .. وقد هدأت نوعا ما .. وقد أخذت حالتي من الوقت حتى ما بعد صلاة العشاء .. ونمت .. نمت بكل راحة وعمق .. عندما استيقظت .. كان (ذاكر) يبتسم لي ويقول :" لقد تغلبت على المخدر .. استطاع جسمك أن يتخلص منه .. يا سبحان الله .. تخلصت منه بسرعة .."
همست له بصوت أقرب إلى الفحيح :" الله من ساعدني وهذا ببركة الدعاء "..
ثم سقطت فاقدا الوعي على الأرض ..
مرت الأيام كما هي .. وجبة واحدة باليوم .. مرة واحدة نساق إلى دورة المياه ( كرمكم الله ).. عشرات المرات للتحقيق .. ولكنني أصبحت مدمنا .. حاولت التخلص منه بالطريقة الأولى فلم أستطع .. جسمي اعتاد عليه ..
وذات يوم .. جاء جمع من الناس لمشاهدتنا .. بدوا كما لو كانوا في رحلة مدرسية إلى حديقة الحيوان .. يشاهدوننا في أقفاصنا من بعيد ، ويشرح لهم جندي أشياء لا أسمعها ...
وذهبوا ..
وقل عدد الزملاء .. بإذن الله استشهدوا ...
وأنا عن قريب معهم ..
وأنا لم أحزن أبدا ... فالله معنا ..

-------