الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

هل نجد الصداقة بعد الثلاثين ؟



2021 .. نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر .. كنت أصفف شعري لأذهب إلى "الربوعية"، نظرت لوجهي في المرآة وقلت : "صار عندك صديقات يا وفاء .. لما وصلتي أربعين !! "

رحلتي في البحث عن الصداقة بدأت من الطفولة، كنت البنت الوحيدة بين ثلاث أبناء ذكور. والطفلة الهادئة غالباً في المدرسة والتي لم يكن لها حضور قوي بين الزميلات. فلم يكن لدي صديقات.. والصديقات الاتي تعرفت عليهن في المتوسطة والثانوية أبعدتهن الأيام والانشغالات ففقدنا الاتصال بيننا رغم حفظ الود.

لازلت أتذكر ذلك اليوم .. 

كان يوم ميلادي السادس والعشرون. الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أنظف أسناني استعداداً لروتين النوم مع الأطفال، لوّح لي زوجي وهو خارج لرؤية أصدقائه. 

في هذه اللحظة تذكرت أن آخر مرة تحدثت فيها مع صديقتي هي عندما اتصلت لتقول لي :" لا أستطيع احتمالك، أنتِ مدللة جداً ومملة، لا أريد أن تكون لي علاقة بك أبداً" 

كانت هي صديقتي الوحيدة.

أدركت وفرشاة الأسنان في يدي تنتظرني أن علي اتخاذ القرار، إما أن أسعى لتكوين علاقات جديدة أو أن أستسلم للوحدة.

حاولت بعدها أن أتعرف على الجارات، وزوجات أصدقاء زوجي.. وحتى أنني تقربت لبعض قريباتي وهن جميعاً أصغر مني بكثير وفي مرحلة حياتية مختلفة تماماً 

أنا متزوجة، وعندي أطفالٌ صغار، وربة منزل دون سائق. من هم في عمري إما أنهم في بداية حياتهم العملية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً.. أو في بداية حياتهم الزوجية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً. 

الأصغر يرونني مملة وأطفالي المرافقين لي في أي مكان مشكلة. والأكبر يعتبرونني مشروعهم الشخصي، فهم يريدون تقويمي وتصحيحي وتعليمي طوال الوقت. 

في يوم ميلادي الثامن والعشرين، الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أحدّق في قطعة الكعكة التي خبزتها لنفسي. تأملت وضعي مع العلاقات وقررت أنني مُستعدة للوحدة، فوجود صديقة في حياتي كان دائماً الإستثناء لا القاعدة. وكانت دائماً علاقات متعبة وثقيلة لكنني أتمسك بها لأنني لا أملك خيارات أخرى. كما أن الجميع لديه علاقاته الآن، وصلت لقناعة أن تكوين الصداقات بعد سن العشرين صعب وربما مستحيل. وتوقفت عن البحث عنهن.  نوعاً ما.. 

في منتصف سنة 2013 عادت إحدى صديقات الانترنت إلى السعودية بعد رحلة ابتعاث مع زوجها إلى كندا. رأيتها وجهاً لوجه مرة .. ثم انشغلنا بين وظيفتها ولين الصغيرة وخالد الذي ينمو داخلي. 

كنت معجبة بها جداً ولشدة خوفي من خسارتها، كنت لا أبدأ التواصل معها، وتبريري كان "لا أريد أن اُثقل عليها فتكرهني" 

استمرت هي بالتواصل والسؤال، وشيئاً فشيئاً استطعت أن أتجرأ وأبدأ التواصل معها وأشعر أنها "تحبني فعلا"، وجمعتني بعدد من صديقاتها في مناسبات متعددة، واستمرت شخصيتي الإنطوائية بالتصرف نحوهن ببرود.

في سنة 2019 انتقلنا لمنزل جديد، وهي كذلك، وحصلت على رخصة قيادة السيارة، وهي كذلك، وكبر أطفالنا وأصبح الوقت متاحاً أكثر لتنمية علاقتنا.. ثم أتت أزمة كورونا.

تلاشت خططنا بالذهاب لرحلات تسوق ديكورات المنزل، والمقاهي التي كنا نريد تجربتها.. 

في أحد تلك الأيام، كنت أشتري آنية للنباتات ووجدت واحداً جميلاً ذكرني بمنزلها فاشتريت  لي ولها. ثم عرجت على منزلها لأعطيها إياه، صادف ذلك وجود صديقتها التي عادت إلى السعودية مؤخراً، ارتباكنا مع قواعد التباعد الاجتماعي الجديدة أدى أنني لم أصافح صديقتي، لكنني حضنت صديقتها .. ((أعرف، كلما أتذكر الموقف أنكمش قليلا من الإحراج)) .. وأثناء تبادل الجمل التقليدية للتحايا، اقترحت صديقتي أن نجتمع بشكل دوري. لم أعترض لكنني لم أتوقع أن يصبح هذا واقعاً. 

مرت بضعة أشهر ثم اجتمعنا في منزلها مع صديقتها تلك، وصديقة جديدة تعرفَت عليها في وظيفتها الجديدة، في هذه المرحلة كنت أتناول أدويتي بانتظام وتعلمت الكثير من العلاج السلوكي المعرفي. أصبحت أكثر ثقة أنني لست وحشاً قبيحاً يفيض بشخصية لزجة تُنفِّر من حوله. 

الصديقتان الجديدتان ودودتان جداً، شعرت أنني أعرفهما منذ زمن بعيد وكأننا صديقات منذ الطفولة، عددنا كان صغيراً في اجتماعنا، مما سمح لي أن استرخي قليلاً وأتحدث. والصديقات غير متكلفات ولا متصنعات، وتربطنا قيم مشتركة عديدة إلى جانب حبنا للصديقة المشتركة. 

استمرت الاجتماعات الدورية، واستمرت علاقاتنا بالتطور والنمو. لم أشعر قط من قبل بهذه الأريحية مع أحد. التقبل، الاستماع الحقيقي، الأسئلة التي تنم عن رغبة فعلية بالمعرفة، الاهتمام الذي فاجأني..

ثم عيد ميلادي، الذي تذكرنه، وخبزت لي إحداهن كعكة، وتلقيت منهن هدية كنت أحتاجها فعلاً. 

هذه كلها تجارب ممتعة جديدة علي. وكنت أخشى أن أسعد بها أكثر من اللازم. لكن في ذلك اليوم الذي أدركت أنهن صديقاتي.. فعلاً .. حقيقة.. واقع.. أعدت التفكير بكل المدة منذ تعرفت عليهن. شعرت بكل السعادة التي منعت نفسي من الإحساس بها خشية ألم فقدانها. 

تغرق عيني بالدموع حمداً لله أنه يسر لي تكوين هذه العلاقات الجميلة بعدما يأست أن أجدها. وأنه وضعهن في طريقي في الوقت المناسب.

ممتنة لوجودكن في حياتي، وسام ومنى وحليمة .. أحبكن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق