الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

المصعد الفضائي






هذه المقالة تم نشرها في مجلة القافلة على الرابط هذا وأنشرها هنا مع المراجع 








تاريخ استكشاف الفضاء الذي نعرفه كان متعلقاً بمنحات الحكومات المخصصة لهذا الغرض.

كانت هذه الاكتشافات غير مثمرة مادياً في البدايات. ولم تكن إلا مغامرة قد تنتهي بموت المشاركين فيها أو الفشل الذريع. 

كانت هذه الأفكار التي يتم تجربتها وتطبيقها أقرب ما تكون لصندوق الرمل في ساحة ألعاب العلماء. حيث يجربون ما كانوا يفكرون فيه ويتخيلون ما يمكن أن تكون عليه الأشياء. وأكثر اكتشافاتهم تمت الاستفادة منها حربيا وفي تقنيات الجيش أولا قبل أن ينتبه المستثمرون والتجار من الإمكانيات التي تقدمها هذه التقنيات للاستفادة المادية والعملية للجميع وليس فقط للجيوش والعلماء المتخصصون. 




لكن؛ إلى وقت قريب كانت الشركات الحكومية أو الممولة من الحكومات هي الفئة الوحيدة التي تستطيع الاستثمار في التجربة والخطأ. والتي تسمح للعلماء بالمغامرة ووضع الكثير من الموارد الغالية والأموال الطائلة في سفن تنطلق إلى الفضاء وتظل هناك حتى بعد انتهائها من مهمتها .فتدور أجهزة الحاسب الآلي الغالية والشرائح الذهبية والبلاتينيوم ومخازن الطاقة الشمسية في فلكها بلا هدف. صانعةً مشكلة جديدة هي التلوث في الفضاء من مخلفات هذه السفن الفضائية. 




أي عالم فضاء في هذا الزمن يجب أن يحسب مئات المرات احتمال اصطدام مركبته الفضائية الجديدة بمركبة قديمة أو قمر صناعي ميت معلق في مداره. وكل مهندس صواريخ يودّع عمله العظيم المكلّف يوم إطلاقه. وكل مؤسسة فضائية تعتبر كل هذه الأموال والموارد قد انتهت وتفترض أن في حسابها البنكي ثقوب سوادء تذهب فيها كل هذه الأموال والموارد الثمينة. 




هذه المشكلات، والتقنيات التي أصبح يستفيد منها الجميع. لفتت نظر بعض المستثمرين. والذين يأتون غالبا من بعد تجارب ريادية تقنية حلوا بها بعض المشاكل الأرضية. والذين بعد أن نجحت محاولاتهم وأصبح لديهم من المال ما يكفي لتأمل النجوم. أصبحوا يرون المشكلات التي تواجهها المؤسسات الفضائية وبدؤوا العمل على حلها بعقلية ريادية وتجارية. 




أول هذه المشكلات التي واجهوها هي التكلفة العالية وهدر الموارد. 




أدرك هؤلاء الرياديين التقنيين أن عملهم لوحدهم قد لا يساعد في إيجاد الحل في وقت مناسب. فاجتمعوا وأطلقوا مسابقات بجوائز تصل إلى خمسة ملايين دولار. لحل بعض المشاكل التي يواجهها الكوكب وسكانه والفضاء. 




نجحت مبادرتهم ومسابقة prizeX التي أنشؤوها في إيجاد حل لمشكلة عودة المركبات الفضائية بعد انتهاء مهماتها.وكانت الفرق المتنافسة شديدة الدقة لدرجة جعلت الحكام يحكمون بالفوز للفريق الأقرب من نقطة الهبوط المطلوبة بفرق سنتيميترات. ومن المثير للاهتمام أن من فاز بهذه المسابقة استثمر ما يفوق المليون دولار ليفوز بمسابقة جائزتها مليون دولار فقط. لكن دخول ناسا وSpaceX واستثمارهم في التقنيات الفائزة، لابد أنه عوّض الفريق الفائز عما خسره مادياً في تطوير تقنياته ومعداته.




أبرز من استفاد منها عملياً هو Elon Musk فقد استخدمها لتطوير صواريخ شركته spaceX بحيث يمكن للصواريخ بعد أن تنتهي من مهمتها. العودة إلى الأرض بسلام وإعادة استخدام الصاروخ لمهام أخرى. 




من الجميل أن هذه الصواريخ التي تبدو وكأنها لعبة تقاد بعصا تحكم كالتي تستخدم في ألعاب الفيديو. لها إمكانيات عالية مثل إطلاق الأقمار الصناعية ويمكن أن يربطوا أكثر من واحد لمهمة تحتاج طاقة أكبر بدلا من بناء صاروخ جديد لهذه المهمات الخاصة. ثم تعود كلها إلى الأرض كي تستمر في العمل. 




من مشاريع شركة spacex أن تصل إلى المريخ، وأن تجعل السفر الفضائي سياحة للجميع. بل إنها تضع الأسعار الخاصة لكل رحلة في موقعها وكأنهم سيذهبون غدا إلى المريخ. لكن هل توقعاتهم وآمالهم منطقية ؟ وهل صواريخهم هذه تعمل بواقعية ؟ 





التجارب السابقة لإطلاق وعودة الصواريخ لم تنجح جميعها. والصاروخ الوحيد الذي نجى من التجربة. أعادوا إطلاقه مرة أخرى قبل أسابيع في 27 مارس 2017. وقد حمل معه قمراً فضائياً وضعه في المدار من شركة SES التي كانت مهتمة جداً بأن تكون أول من يستخدم صاروخا معاد الاستخدام ويطير بدون طيار. 




إعادة استخدام الصواريخ لمثل هذه المهام تحل أكبر مشكلة تواجه المستثمرين والعلماء في مجال أبحاث الفضاء. وهي التكلفة المادية العالية. فبدل أن تدفع عشرات الملايين على كل إطلاق صاروخي. فأنت تدفع بضع ملايين. وفي هذا المجال من الأبحاث والاستثمارات. تعتبر توفيراً عظيماً. خاصة أن بعض أجزاء الصاروخ يمكن إعادة استخدامها حتى 100 مرة. لكن Elon يؤكد أنهم لن يستخدموا أجزاء الصاروخ أكثر من 12 مرة في هذه المرحلة. 




يبدو السيد Musk شديد التفاؤل وهو يؤكد على عمل الخصومات لمن يستخدم خدماتهم أكثر من مرة. ويؤكد أنه سوف يعيد إطلاق هذا الصاروخ الناجح في هذه المرحلة أكثر من عشر مرات. ولِمً لا ؟ فهو يعتبر هذا النجاح مجرد خطوة أولى لاستعمار المريخ، والرحلات الفضائية السياحية. 




ثقته العالية هذه لا تأتي من فراغ تمت تعبئته بغرور الريادي الذي نجح مرة في فكرة مجنونة. بل لأن هذه المرحلة التي نتكلم عنها الآن والتي أخذت منك خمس دقائق للقراءة عنها. استغرقت في الحقيقة 15 سنة على الأقل ليصل لها هو وفريقه. وقد بدؤوا الآن بالتخطيط النظري بناء على ما عملوه حتى الآن لإيصال مركبة فضائية إلى المريخ. هذه المركبة الفضائية تعتمد على الصواريخ معادة الاستعمال لأنها ستحتاج حسب تقديراتهم تعبئة وقودها ثلاث مرات. وهذه المهمة سيقوم بها صاروخ يحمل الوقود إلى المركبة الفضائية بعد أن يساعد في إطلاقها أول مرة. 




كما أن التقدم العلمي المنتظر لحل مشكلات فضائية نواجهها لا يمكن حله بوضعنا ساق على أخرى ورمي الفرضيات في الهواء. بل يتوجب العمل والتجربة وحتى الخطأ. ودخول الاستثمار التجاري على هذا المجال وبطريقة عمل المستثمرين التجاريين والرياديين سيدفع بعجلة التقدم أكثر ويدفع العلماء بالتفكير بتقليل التكاليف المادية والبشرية مما ييسر عمل التجارب وجعل تكلفة الخطأ قابلة للاحتمال لمن استثمر في الأفكار الجديدة. المزيد من التجارب تعني المزيد من الحلول والمزيد من الحلول تعني المزيد من الاستكشاف والمزيد من الاستكشاف يعني المزيد من المعرفة. وهلم جرا 




النتيجة الأخرى على هامش هذا التقدم العلمي هو إعادة فتح الآمال عند الشباب وصغار السن لدراسة هذا المجال والتعرف عليه أكثر. فمنذ أن وطأت قدمي نيل أرمسترونق القمر. لم تأتِ الأخبار بما يثير شهية صغار السن لمعرفة المزيد عن هذا المجال العلمي الجميل. بل إن الإعلام في كل مكان بدأ يستخدم ما يبعدهم عنه ويجعل الفكرة شديدة الصعوبة. بحيث يتم ضرب المثل في الصعوبة بـ " علم الصواريخ" ويتم تصنيف المهتمين بمثل هذه العلوم بأنهم "مهووسين" و"غرباء أطوار" ويعتبرون أن من يفكر بدراسة أو قراءة هذه المعلومات يعاني من مشكلة عقلية تبدأ بالعبقرية المجنونة وتنتهي بمتلازمة اسبرقر. 




ريادة الفضاء الآن تدخل مرحلة مهمة تأخرت كثيراً وهي كسر قيود الحصرية والتكاليف. وقد يكون جيلنا شاهد على وطء قدم الإنسان الأول على المريخ. وقد يذهب أحد أبنائي للسياحة هناك وأبدأ توصيته بارتداء العدة اللازمة لحمايته من الأشعة الفضائية كما أوصيه الآن بوضع الكريم الواقي من أشعة الشمس الضارة على الشاطئ. 




من سيكون ابن بطوطة لما بين المجرات القادم ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق