السبت، 2 أبريل 2022

بودكاست شسمه ؟ الحلقة الأولى من سلسلة قمة سينك مع لورديز مونتنيقرو

رابط البودكاست 

 أهلا .. 

أنا وفاء خالد، وهذا بودكاست "شسمه ؟". مثل العادة سأتناول موضوعاً محدداً أثار اهتمامي مؤخراً. وأتحدث معكم وكأنكم معي على طاولة المطبخ. جهزوا الشاي أو القهوة والبسكويت وتعالوا نسولف. 

جميع المراجع لكل ما أذكره ونص الحلقة ستكون في الروابط المرفقة كالعادة  وفي المدونة. 


حضرت مؤخراً، في يومي 29 و 30 مارس 2022، قمة سينك Sync Summit  لمناقشة الاتزان في الحياة الرقمية والتي حصلت في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء". ولأول مرة في مثل هذه المناسبات. بعد أن خرجت من المسرح. وجدت المتحدثين يتنقلون بحرية في المقاهي الموجودة في إثراء. والمجال مفتوح لأي شخص للحديث معهم. 

لم أكن أتوقع هذا أبداً بناء على تاريخ إثراء في مثل هذه المناسبات، لكن لحسن الحظ أنني أحضرت مع الميكروفونات الصغيرة وانتهزت الفرصة لتسجيل بعض الحوارات القصيرة مع بعض المتحدثين الذي حالفني الحظ لملاقاتهم واتسعت صدورهم وأوقاتهم للحديث معي. 


ملاحظة:

كون الحوارات كانت باللغة الإنجليزية، فسوف أضمّن أجوبة الضيف ومن ثم ترجمة مختصرة لما ذُكِر في الحوار. 

 

سلسلة الحلقات القصيرة هذه ستكون مقسمة بحسب الموضوع والضيف. وستجدون بالطبع بعض الأخطاء الاحترافية، مثل عدم التحضير المسبق، وخشخشة الصوت بسبب وضع المايكروفون في مكان خاطئ، وغيرها .. أتمنى أن تتذكروا أنني لم أتوقع أن أرهم أصلاً ولم تكن اللقاءات معدة لتلقي أسئلة الحضور. فلم أصغ أي منها بشكل احترافي. وكان كل الأمر عفوي.


وسأبدأ اليوم بمقابلة مع لوردز مونتنيقرو (يا رب نطقت الاسم صح)، والتي تعمل في world benchmarking alliance وهي منظمة تخصصت في تقييم الشركات عالمياً ومحلياً بحسب المعايير التي وُضِعت لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

تتخصص لوردز في معايير الشركات التقنية المتعلقة بتمكين جميع شرائح المجتمع لاستخدام التقنية وتشجيع وجودهم في الشركات كموظفين. ومن هذه المعايير التي سألتها عنها كانت عن تضمين الإناث في الشركات التقنية. 


في المملكة واحدة من كل أربع متخرجات من الجامعة تتخصص بالرياضيات والعلوم والتقنية والهندسة. لكن ثلثهن فقط يقرر الإنضمام إلى صناعة التقنية والاتصالات. 

ويعتبر الفارق في المملكة جيد بالمقارنة مع المعدل العالمي،  فقد وصلت مشاركة الإناث في المجال التقني إلى 24.7% تقريباً، مع هدف زيادة وجودهن والوصول إلى نسبة 30% في 2030. لكن المشكلة التي تواجه الإناث لدينا هي وجودهن في وسط أو قاع السلم الوظيفي. 


موضوع أهمية تنوع الثقافات والأشخاص في بيئة العمل طويل ومشعّب، لكن يمكن اختصاره بأن وجود وجهات نظر مختلفة لحل نفس المشكلة تنتج حلولاً تناسب شرائح أكبر وأكثر في المجتمع. وأهمية وجود المرأة في فرق تصميم خدمات تقدّم لكل المجتمع يضمن أن نصف المجتمع المتلقي سيجد ما يناسبه فيها. وهذا لوحده يجب أن يكون دافعاً لأصحاب هذه الخدمات والمنتجات لفهم حاجات الإناث وتصميمها بما يتناسب معها.


أول سؤال توجهت به للورديز كان تعليقاً مباشراً لما ذكرته هي على المسرح. فقد تحدثت عن أهمية إدخال الإناث في صناعة التقنية والاتصالات والصعوبات التي تواجههن لدخول هذا المجال. 


كان السؤال : 

كيف نقنع الرجال، أن وجود النساء معهم وتوظيفهن يعود عليهم هم بالنفع؟ 


أعادت لورديز صياغة السؤال وقالت : " يجب أن يكون السؤال كيف يمكن أن يخدم هذا الأعمال والتجارة والاقتصاد؟

الموضوع ليس فقط الرجال، لكن الرجال الآن هم من يديرون الاقتصاد والأعمال لذا يجب عليهم أن يفهموا المنافع التي تعود على أعمالهم. فالمستهليكن ليسوا فقط رجال، بل نساء وأطفال ومسنين. وكون النساء في العادة يعتنين بشرائح اخرى عديدة في المجتمع فهن يفهمن حاجاتهم ورغباتهم. ولهذا تحتاج الأعمال أن تفهم كيف يمكنها أن تصمم المنتجات بما يتناسب مع جميع أنواع المستخدمين.  وإن كان لديك منتجات تخدم أنواع متعددة من المستخدمين، فسيكون لديك عملا تجاريا ناجحا. " 


هممم.. إذاً، الدور التقليدي المتوارث للمرأة أعطاها ميزة إضافية هي احتكاكها اليومي والمباشر بفئات عديدة من المجتمع وفهم حاجاتهم الدقيقة. 


كان تعليقي على جوابها هو : " إذا وجود أشخاص غير الرجال الشبان التقليديين القادرين جسديا سيعود بالنفع على العمل بزيادة الدخل والأرباح ؟  إذا ، الموضوع رأسمالي ؟ " 


وهذا أيضاً كان يتعلق بالنقاش الذي حصل على المسرح من قبل، أن ما يتحكم في القرارات الخاصة بالشركات والأعمال في قطاع التقنية والاتصالات هو في النهاية الدخل والأرباح، وأن استخدام هذه الزاوية هو فقط ما سيحدث التغيير. 


جواب لورديز :

" بالنهاية نعم الموضوع رأسمالي، وبالعودة إلى نقطة الرأسمالية، فإن الأعمال التي توجد فيها سيدات في مناصب قيادية تبلو بلاء حسنا أفضل حتى من الأعمال التي ليس فيها سيدات في المناصب القيادية. وتوجد دراسات عدة بنفس النتيجة، هذه حقيقة مدروسة وهناك  فرق في النتيجة النهائية" 


لم أكن أريد الخوض في تفاصيل صعوبات دخول المرأة لمجال التقنية والاتصالات. فهذا الموضوع قُتِل بحثاً. لذا قفزت إلى سؤال آخر .. سألتها : " هل يمكن للقرارات الحكومية والسياسات ووضعها نسبة معينة مفروضة على الشركات بتوظيف السيدات، أن تساعد ؟ " 


وكان جوابها الذي لم أتوقعه هو : " نعم، على الأقل في البداية، فالسيدات يحتجن لدفعة إلى الأعلى تيسر عليهن دخول المجال. فالأمر ليس في نقص المواهب ولكن في التعرف عليهن وإيجادهن وإعطائهن الفرصة" 

هي أكملت أيضا بأنها تعمل في منظمة نسبة السيدات اللاتي يعملن بها أكبر من الرجال والآن بدأت المنظمة بتوظيف رجال أكثر لتحقيق التوازن. وذكرت مثالا على شابة مصرية لامعة وجدت فرصتها بسبب عمل أسسته سيدة أخرى مما أعطاها الفرصة لتقود الفريق وتتطور والآن هي في دبي وتعمل في شركة للذكاء الاصطناعي، وذكرت أيضا أن الصعوبات ليست فقط في دخول المجال ولكن توجد أخرى، وقد يساعد أيضا وجود الإرشاد للإناث في العمل ووجود رعاة لهن للتأكد من كون البيئة مناسبة. 


لم أتوقع الجواب المتحمس هذا، كنت أتوقع أن تكون مترددة وتقول ربما في البداية فقط، وقد يبدو هذا الأمر غير عادل .. الخ من الإجابات الخجولة. فهذا ما اعتدت سماعه عادة، وكنت أيضاً أقلب الفكرة في رأسي، هل من العدل أن تُعطى السيدات دفعة للأمام وإجبار الشركات والأعمال على توظيفهن ؟ في بعض الأحيان أراه غير عادل، لكن كلما تذكرت أن الإناث، لمجرد كونهن إناث، تتم عرقلة تقدمهن المهني في عالمنا الواقعي، بسبب الانحيازات المسبقة والتصورات النمطية الخاطئة وثقافة المجتمعات أعود لأرى العدالة في الموضوع. 


بما أننا وصلنا إلى بيئة العمل كان لابد أن أسأل : " ألا ترين أن بيئة العمل الآن ليست مهيئة للسيدات أصلا وخصوصا الأمهات؟" 


جاوبت لورديز : " هذه مشكلة شائعة جدا في كل مكان في العالم، وقد وجدت أن من الأمور التي أحدثت فرقا بحسب ما شاهدته بشكل شخصي. هي الأماكن التي تعطي لكلا الوالدين إجازة أمومة وأبوة متساوية. فالآباء أيضا يمرون مع الأم بمرحلة الحمل والأبوة، وتبين أن الآباء أيضاً يريدون العناية بأطفالهم وقضاء الوقت معهم. لكن لم يُعطوا الفرصة من قبل" 


في وسط ارتباكي لأنني لم أحضّر جيداً للقاء، قلت :" اكتشفنا أن الرجال لديهم مشاعر أيضاً " 

يا ربي … وأنا أسمع التسجيل وددت أن أرجع بالزمن وأزيل محاولة تخفيف الدم هذه .. لكن، من حسن الحظ أن لورديز لطيفة وأخذت النكتة السخيفة وحولتها إلى أمر مهم. انتقلنا بعدها إلى موضوع الذكورية السامة التي توارثها المجتمع وكيف أن تخفيفها يساعد الرجال في أن يكونوا ما يريدونه بالضبط. 

وذكرت هي أن زميلتها حين وضعت طفلها، أخذت فقط أربع أشهر إجازة للأمومة. بينما قضى زوجها تسع أشهر في إجازة الأبوة ليعتني بطفله ويقضي معه وقت أطول. 


وكان من ضمن الإجابة " إعطاء كلا من الرجل والمرأة إجازة عند إنجاب طفل، تقلل من فكرة أن السيدات مكلّفات لرب العمل أكثر من الرجال كونهن يأخذن إجازة أمومة مدفوعة" 


لم أستطع الإثقال عليها أكثر رغم رغبتي بسؤالها عن العديد من التفاصيل. فقد بدأ على المسرح اللقاء التالي الذي كانت تنتظره. 


لورديز منفتحة للتواصل مع أي شخص يحتاج مزيد من المعلومات عن معايير التنمية المستدامة. ومتعاونة ومطلعة. وستجدون في قائمة المراجع طرق التواصل معها. 


شكرا لورديز لوقتك ولطفك وإجاباتك. أتمنى أن تحققي أهدافك وأن تستمر الشركات في احترام معايير التنمية المستدامة. 


وشكرا لكم جميعا لاستماعكم واهتمامكم. 


الحلقات القادمة كانت مع شخص تخصص في برامج تساعد المدمنين على التقنية. ومع آنسة تعمل في مراقبة وفلترة المحتوى في شركة كبرى من منصات التواصل الاجتماعي. وباحث في مجال الألعاب الاكترونية وإدمانها. وباحثين عن أخلاقيات الشركات التقنية. 


انتظرونا. 


المراجع : 


إصدارات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات - تعزيز مشاركة المرأة 

رابط آخر لنفس الملف 

عن معايير التنمية المستدامة في المجال التقني

حساب لورديز في لنكد إن 

حساب لورديز في تويتر

مقال عن تعزيز مشاركة الإناث في الصناعات الرقمية - من موقع معايير التنمية المستدامة

إبقاء السيدات في الصناعة التقنية - من إصدارات accenture

رابط آخر لنفس الملف 

رابط عن قمة سينك في إثراء




الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

هل نجد الصداقة بعد الثلاثين ؟



2021 .. نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر .. كنت أصفف شعري لأذهب إلى "الربوعية"، نظرت لوجهي في المرآة وقلت : "صار عندك صديقات يا وفاء .. لما وصلتي أربعين !! "

رحلتي في البحث عن الصداقة بدأت من الطفولة، كنت البنت الوحيدة بين ثلاث أبناء ذكور. والطفلة الهادئة غالباً في المدرسة والتي لم يكن لها حضور قوي بين الزميلات. فلم يكن لدي صديقات.. والصديقات الاتي تعرفت عليهن في المتوسطة والثانوية أبعدتهن الأيام والانشغالات ففقدنا الاتصال بيننا رغم حفظ الود.

لازلت أتذكر ذلك اليوم .. 

كان يوم ميلادي السادس والعشرون. الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أنظف أسناني استعداداً لروتين النوم مع الأطفال، لوّح لي زوجي وهو خارج لرؤية أصدقائه. 

في هذه اللحظة تذكرت أن آخر مرة تحدثت فيها مع صديقتي هي عندما اتصلت لتقول لي :" لا أستطيع احتمالك، أنتِ مدللة جداً ومملة، لا أريد أن تكون لي علاقة بك أبداً" 

كانت هي صديقتي الوحيدة.

أدركت وفرشاة الأسنان في يدي تنتظرني أن علي اتخاذ القرار، إما أن أسعى لتكوين علاقات جديدة أو أن أستسلم للوحدة.

حاولت بعدها أن أتعرف على الجارات، وزوجات أصدقاء زوجي.. وحتى أنني تقربت لبعض قريباتي وهن جميعاً أصغر مني بكثير وفي مرحلة حياتية مختلفة تماماً 

أنا متزوجة، وعندي أطفالٌ صغار، وربة منزل دون سائق. من هم في عمري إما أنهم في بداية حياتهم العملية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً.. أو في بداية حياتهم الزوجية ولا يجدون معي شيئاً مشتركاً. 

الأصغر يرونني مملة وأطفالي المرافقين لي في أي مكان مشكلة. والأكبر يعتبرونني مشروعهم الشخصي، فهم يريدون تقويمي وتصحيحي وتعليمي طوال الوقت. 

في يوم ميلادي الثامن والعشرين، الذي لم يتذكره أحد كالعادة. وبينما كنت أحدّق في قطعة الكعكة التي خبزتها لنفسي. تأملت وضعي مع العلاقات وقررت أنني مُستعدة للوحدة، فوجود صديقة في حياتي كان دائماً الإستثناء لا القاعدة. وكانت دائماً علاقات متعبة وثقيلة لكنني أتمسك بها لأنني لا أملك خيارات أخرى. كما أن الجميع لديه علاقاته الآن، وصلت لقناعة أن تكوين الصداقات بعد سن العشرين صعب وربما مستحيل. وتوقفت عن البحث عنهن.  نوعاً ما.. 

في منتصف سنة 2013 عادت إحدى صديقات الانترنت إلى السعودية بعد رحلة ابتعاث مع زوجها إلى كندا. رأيتها وجهاً لوجه مرة .. ثم انشغلنا بين وظيفتها ولين الصغيرة وخالد الذي ينمو داخلي. 

كنت معجبة بها جداً ولشدة خوفي من خسارتها، كنت لا أبدأ التواصل معها، وتبريري كان "لا أريد أن اُثقل عليها فتكرهني" 

استمرت هي بالتواصل والسؤال، وشيئاً فشيئاً استطعت أن أتجرأ وأبدأ التواصل معها وأشعر أنها "تحبني فعلا"، وجمعتني بعدد من صديقاتها في مناسبات متعددة، واستمرت شخصيتي الإنطوائية بالتصرف نحوهن ببرود.

في سنة 2019 انتقلنا لمنزل جديد، وهي كذلك، وحصلت على رخصة قيادة السيارة، وهي كذلك، وكبر أطفالنا وأصبح الوقت متاحاً أكثر لتنمية علاقتنا.. ثم أتت أزمة كورونا.

تلاشت خططنا بالذهاب لرحلات تسوق ديكورات المنزل، والمقاهي التي كنا نريد تجربتها.. 

في أحد تلك الأيام، كنت أشتري آنية للنباتات ووجدت واحداً جميلاً ذكرني بمنزلها فاشتريت  لي ولها. ثم عرجت على منزلها لأعطيها إياه، صادف ذلك وجود صديقتها التي عادت إلى السعودية مؤخراً، ارتباكنا مع قواعد التباعد الاجتماعي الجديدة أدى أنني لم أصافح صديقتي، لكنني حضنت صديقتها .. ((أعرف، كلما أتذكر الموقف أنكمش قليلا من الإحراج)) .. وأثناء تبادل الجمل التقليدية للتحايا، اقترحت صديقتي أن نجتمع بشكل دوري. لم أعترض لكنني لم أتوقع أن يصبح هذا واقعاً. 

مرت بضعة أشهر ثم اجتمعنا في منزلها مع صديقتها تلك، وصديقة جديدة تعرفَت عليها في وظيفتها الجديدة، في هذه المرحلة كنت أتناول أدويتي بانتظام وتعلمت الكثير من العلاج السلوكي المعرفي. أصبحت أكثر ثقة أنني لست وحشاً قبيحاً يفيض بشخصية لزجة تُنفِّر من حوله. 

الصديقتان الجديدتان ودودتان جداً، شعرت أنني أعرفهما منذ زمن بعيد وكأننا صديقات منذ الطفولة، عددنا كان صغيراً في اجتماعنا، مما سمح لي أن استرخي قليلاً وأتحدث. والصديقات غير متكلفات ولا متصنعات، وتربطنا قيم مشتركة عديدة إلى جانب حبنا للصديقة المشتركة. 

استمرت الاجتماعات الدورية، واستمرت علاقاتنا بالتطور والنمو. لم أشعر قط من قبل بهذه الأريحية مع أحد. التقبل، الاستماع الحقيقي، الأسئلة التي تنم عن رغبة فعلية بالمعرفة، الاهتمام الذي فاجأني..

ثم عيد ميلادي، الذي تذكرنه، وخبزت لي إحداهن كعكة، وتلقيت منهن هدية كنت أحتاجها فعلاً. 

هذه كلها تجارب ممتعة جديدة علي. وكنت أخشى أن أسعد بها أكثر من اللازم. لكن في ذلك اليوم الذي أدركت أنهن صديقاتي.. فعلاً .. حقيقة.. واقع.. أعدت التفكير بكل المدة منذ تعرفت عليهن. شعرت بكل السعادة التي منعت نفسي من الإحساس بها خشية ألم فقدانها. 

تغرق عيني بالدموع حمداً لله أنه يسر لي تكوين هذه العلاقات الجميلة بعدما يأست أن أجدها. وأنه وضعهن في طريقي في الوقت المناسب.

ممتنة لوجودكن في حياتي، وسام ومنى وحليمة .. أحبكن

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

بودكاست شسمه : من هو المثقف ؟

رابط الحلقة





السلام عليكم . أنا وفاء خالد، وهذا شسمه بودكاست .. عن أي شي وكل شي. كل مرة أمسك موضوع شاغل بالي وأسولف معكم.

ومثل العادة تلقون كل المراجع والنص الكامل في المدونة www.wafakm.com والروابط في وصف الحلقة. 


حلقة اليوم أكثر حلقة بحثت فيها عن معلومات بدون نتائج. لأن جميع النتائج التي وجدتها تشير في اتجاهات مختلفة لا تتقاطع مما يصعب معرفة الجواب الأقرب للإقناع. 


كان عندي سؤال بسيط جداً . من هو المثقف ؟ 


"أصل ثقف باللغة العربية، سن الرمح والسهم"


لكن هذا التعريف الذي سمعتموه لم يعد يشير لنفس المعنى الآن. حتى في الكتب التي بحثت بها وجدت عدة تعريفات كلها اتفقت على أن تختلف بمعنى كلمة المثقف، لكنها ربما اتفقت على بضع نقاط : 

  • تعريف المثقف الحالي أتى من الغرب. 

  • المثقف متعلم 

  • المثقف لا بأس أن يكون قد خرج من تخصصه إلى المجال العام وأبدى رأيه في قضية شأن عام. 


المثقفين _ هداهم الله _ جعلوا الأمر صعباً على من هم مثلي، الباحثون عن معنى المثقف ودوره. مهما حاولت قراءة الكتب التي تتحدث عن المثقف وجدت أنني لا أستطيع فهمها لصعوبة اللغة المستخدمة. 


وعلى ذكر اللغة، كنت أبحث عن معنى المثقف في مصادر عربية لأن عند ترجمة الكلمة للانجليزية نجد عدة معاني تختلف عن بعضها كثيراً. فهي قد تكون cultured ، intellectual، enlightened وكل من هذه الكلمات لها دلالات مختلفة، لا يمكن تطبيقها بسهولة علينا. 


لذا، وجدت إن أفضل طريقة للبحث في هذا الموضوع خصوصاً لأن الموضوع مجرد تساؤل وليس بحث علمي رصين، أن أسأل أكبر عدد من الناس، لأفهم الصورة الدارجة عن الشخص المثقف. 


"اللي يقرأ، اللي يبحث، اللي عنده معرفة جيدة ويلم بمعلومات كثيرة .. هذا هو المثقف. مو لازم يكون متعلم. ممكن يكون عنده درجات عالية من العلم لكنه غير متثقف. اللي يقرأ واللي يبحث واللي يدور هذا هو المتثقف  
- يعني موسوعي المعرفة ؟ 
- نعم موسوعي المعرفة "


الغريب في موضوع الشخص المثقف أن الجميع اتفق على احترامه وأهمية المثقفين في المجتمع، والكثير يتمنى أن يكون حوله مجموعة من الأصدقاء أو العلاقات مع المثقفين. لكن اختلف الأغلبية على تعريف معنى المثقف. 


من الأشياء التي لاحظت اتفاق الناس عليها هي : 

  • الموسوعية. كي تكون مثقفاً يجب أن تعرف شيئا عن كل شيء. وأن يكون لديك التواضع الكافي للاعتراف بالجهل والرغبة بالتعلم.  ومن الأشياء التي سمعتها تتردد في تعريف المثقف هي القراءة والمعرفة. 

  • الخبرة الحياتية. إذ أن المعلومات لوحدها لا تعني شيئاً ما لم تسندها تجارب الحياة الواقعية ومعارك الإنسان اليومية. 

  • التعليم. نقل هذه المعرفة التي جمعها من مصادرها المتعددة إلى الآخرين بطريقة لا تقلل من شأنهم. 


ورغم أن جميع ما سبق من شروط المثقف يصف التهذيب. إلا أن سؤالي عن هذه النقطة بالذات جعلت الناس يختلفون. 

فالبعض قال لابد للثقافة أن تهذب الإنسان في تعاملاته مع الآخرين. ولا يمكن أن تجتمع الثقافة مع قلة التهذيب. 

وآخرون ذكروا أن الصفتين لا علاقة لهما ببعض. 


وحمزة شحاتة في محاضرته اللي عنوانها " الرجولة عماد الخلق الفاضل" يقول إن العكس ممكن صحيح .. وهنا اقتبس جزء منها  :  " قد يكون الإنسان فاضلاً ونصيبه من حرية الفكر نصيب منقوص ".  ص 173 


" مستحيل، لأن المثقف لازم يكون مثقف في كذا جانب من أول هذه الجوانب وأهمها هي الثقافة في اللباقة مثلا. ثقافة التعامل، ثقافة التواصل مع الناس. فمستحيل يكون غير لبق. إلا إذا يكون حافظ ومو فاهم " 

"- هل ممكن يكون مثقف وغير مهذب بنفس الوقت ؟
- ايه عادي، أنا ..  "

" كثير من الأشياء اللي يربطونها الناس بالتهذيب أنا ما أشوف لها رابط، يعني، لا الثقافة ولا القراءة ولا الموسيقى  ولا الفنون اللي دايما تربط بتهذيب النفس، أنا لاحظت إن في عندهم رابط شرطي لها، لكن ممكن تلاقي انسان ماله علاقة بكل هذه الأشياء وشديد التهذيب ونقي من داخل، والعكس صحيح. وتلاقين ناس فنانين وكذا وأنقياء من الداخل. لكن أنا قناعتي الشخصية أنه ليس بسبب الثقافة أصبح نقي. مافي رابط شرطي"

" أيوة لازم يكون المتثقف ذو أخلاق عالية. يعني، ملم بالدين والأشياء هذي فلازم يكون أخلاقه جدا عالية في التعامل مع الناس كذلك" 


طيب كيف ممكن الانسان يصير مثقف إذا المثقفين صعبوا علينا فهم هم مين، وتصورات الناس عنهم مختلفة ؟ 


القراءة أكثر إجابة تكررت، لكن صديقتنا المبدعة حليمة تقول شي آخر


"اللي يطالع أفلام وثائقية كثيرة ثم يسوي نفسه كأنه يقرأ كثير " 


إذاً مصادر الثقافة متعددة، والقراءة ليست الشرط الوحيد لها، لكن من الضروري أن يظهر الشخص وكأنه يقرأ كثيراً ؟ هل الإطلاع هو النقطة الرئيسية إذا وليست القراءة بذاتها ؟ 


من الإجابات التي سمعتها كانت الخبرة، الثقافة هي الخبرة في الحياة، ومن تعريف الناس لمفهومهم عن الخبرة في الحياة فهمت أنهم يقصدون الحكمة أكثر، والبعض أضاف التعاطف مع الآخرين وفهمهم.


"- مافي أحد انولد وما يعاني.

- هل ممكن يكون شخص مترف وولد في فمه ملعقة من ذهب وفي نفس الوقت مثقف ؟ 

- على حسب، ممكن أكون مولود في عالم كل شي فيه مثالي لكن ما أكون مثقف. لأني ما تربيت على الثقافة، ما تربيت على إني أتعلم ما زرعت في نفسي شي يخليني اتعلم أو يخليني أبغى أعرف ويكون عندي فضول للمعلومة" 


هممم .. التعلم، والخبرة في الحياة .. لم يكن هذا الشخص الوحيد الذي ذكر هاتين الصفتين. 


أعتذر مقدما عن سوء التسجيل في المقابلة الجاية، اخترت مواصفات معينة كانت غلط بدون ما انتبه وتحسفت إني ما أحط كلامه المهم في الموضوع 


" - كيف كانت شخصيتها ؟ 

- كانت امية لكن كانت مثقفة. 

- كيف ؟ 

- تعرف الحياة يعني. الثقافة مو بس بالقراءة. الله يرحمها كان عندها أسلوب في كيف تعطي المعلومات ولها خبرة حياة. الثقافة مو شرط إنها علم، قد ما هي خبرة" 


في حال لم يكن ما قاله واضحاً .. جدته التي لم تكن متعلمة، كانت مثقفة لأن خبرتها في الحياة كبيرة. 


صار تعريف المثقف أصعب حتى من تعريف الذكاء الذي تشاجر في موضوعه وقياسه العلماء في بحوثهم. ووصلوا الآن إلى شبه اتفاق. أن الذكاء أنواع. فهل يمكن أن تكون الثقافة أنواع ؟ طيب ما هي الأنواع ؟ 


هل نقسّمها على الموضوع الذي يهتم به الشخص ؟ مثلا هذا ثقافته في علوم الفضاء وهذا ثقافته في الشعر.. وهذه ثقافتها في التربية والتعليم ؟

أو نقسمها على نوعها وتوجهها ؟ فهذا شخص مثقف في علوم الكتب، وهذا مثقف في علوم الشارع وتحديات الحياة، وهذا مثقف في حكمته وتعاطفه مع الآخرين ؟


إذا كيف يمكن تفسير تعبير " هذا الشخص ثقافته عربية " و "ذاك الشخص خلفيته الثقافية فرنسية" أو إيطالية أو صينية ؟ 

ما الذي يقصد هنا بالثقافة ؟ اللغة التي يتحدثها الشخص ؟ أم درجة إتقانها لها ؟ أم مجموعة من طرق التفكير التي توصل لها مجتمع معين ؟ ماذا عن الأساسيات التي اتفقت عليها المجتمعات، إلى أي ثقافة تنتمي ؟ 


" كان عندي استاذ ما شاء الله عليه. كنت أسأله أي سؤال وما شاء الله عليه كان يجاوبني. كنت أسميه الموسوعة، هو كبير في السن فله خبرة كثيرة، وحتى لو أقول له معلومة هو يعرفها لكنه لا يقاطعني ويقول كلنا نعرف هذه المعلومة  وما يحتاج تقول لي. يخليني أكمل، إذا في شي ما ذكرته هو يفيدني من معلوماته ويساعدني. هذا هو الشخص المثقف اللي يعرف يشارك معرفته للغير عشان يثقف الآخرين" 


هل نختار الثقافة ؟ أم تختارنا الثقافة ؟ 

هل هذا اللقب تشريفي ولا ينبغي للشخص أن يصف نفسه به ؟ أم يصح لنا أن نختار الإنتماء إلى آل مثقفين ؟ 


اتفق الجميع على أن " المثقف " مطلوب في المجتمع ومحترم ويتمنون زيادة أعدادهم في المجتمع والاحتكاك بهم. 


طيب كم لنا أن ننضم لنادي المثقفين ؟ ونحن نجد بعضهم يصفنا بالدخلاء والمندسين ؟ 


وإن قبِل بنا بعضهم كي يدلونا الطريق. وجدنا هؤلاء الذين قالوا أن وجود المثقفين مهم يسخرون منا. وبوعي منهم أو بدون وعي، نجد عندهم صورة خارجية معينة للمثقف.


" كنا كل وحدة تعرض صفات فارس الأحلام. كانوا دائما يوجهون لي سؤال: فاطمة ما هي مواصفات زوج المستقبل ؟ كانت عندي صفة وحدة أقولها. كنت اقول ابغاه مثقف. وكانوا يضحكون. عندهم مفهوم الثقافة والشخص المثقف يختلف عن المفهوم عندي. فكأنما يضحكون إنه يكون لابس نظارة ماسك كتاب وهكذا .. فأنا كان صعب اشرح النقطة هذه لأن مفهوم الثقافة يختلف من شخص لشخص. فأنا مفهوم الثقافة عندي جدا عميق ومهم لدرجة إنه شي أساسي بحياتي"


كل الأشخاص اللي سألتهم، في نهاية المقابلة سألتهم إن كانوا يعرفون شخص مثقف في حياتهم وكلهم أجابوا بنعم. وطريقة وصفهم لهذا الشخص كانت قريبة من إجاباتهم عن الأسئلة التي قبلها. فهم فعلا بنوا هذه الصورة عن المثقف من نموذج موجود في حياتهم وغالباً شخص يحبونه وتذكروه بسرعة مهما بعدت آخر ذكرى للقائهم معه.


" أتوقع شخص مثقف أعرفه بحياتي، أمي، لأنها مرت بظروف كثيرة صعب الناس يتخطوها بسهولة. وهي في مجالها في الطب .. تتوقعي إنها تركز في هذا المجال وما عندها وقت تثقف نفسها في أشياء ثانية. لكن اللي اكتشفته وعرفته مع الوقت إنها متثقفة في كثير أشياء. وإن ثقافتها مو بس من اللي تتعلمه وتدرسه. لكن من تجاربها في  الحياة أكثر.. فنعم .. أمي " 

ربما كان يمكن تعريف الثقافة سابقاً بطريقة أسهل، أو ربما لم أبحث عن الإجابة بشكل أعمق. لكن هذه الحلقة تنتهي وأنا لم أجد إجابة بعد، رغم كل ما قرأته واطلعت عليه. 


أنا الآن أطلب منكم تعطوني شرح للمثقف وإعطائي المراجع. لأنني لازلت لا أعرف.


تواصلوا معي في أي مكان..  أنا في انتظاركم. 

المراجع 

المثقف والآخر : على هامش إشكالية نشوء المثقف 

صورة المثقف عند واسيني الاعرج رواية مملكة الفراشة نموذجا

أين ذهب كل المثقفين؟ تتضمن رداً على نقادي

دور المثقف في التحولات التاريخية 

" قد يكون الإنسان فاضلاً ونصيبه من حرية الفكر نصيب منقوص " 173 ، حمزة شحاتة ، الرجولة عماد الخلق الفاضل


 

الخميس، 26 أغسطس 2021

اقتربت من إكمال الشهر السادس في العمل عن قُرب، إلى أين أسير ؟


 هذه تكلمة لتدوينة سابقة عن انطباعي وما تعلمته بعد العمل عن بعد لـ 12 عام ثم الانتقال للعمل الحضوري. لقراءتها اضغط الرابط


نظرت للتاريخ وانتبهت أنني اقتربت من إكمال شهري السادس في الوظيفة ! وكأنني كنت في المقابلة الوظيفية بالأمس!

عرفت أنه لابد لي من التوقف قليلاً والمراجعة الآن. فهل هذا طريق أريد إكماله ؟ 

لازالت بعض الصعوبات في التكيف موجودة لكن الكثير تحسّن. من الأمور التي تحسنت هي قلقي الاجتماعي، فلي ست زميلات في القسم النسائي ورغم أننا نعمل في إدارات مختلفة إلا أن التعاون بيننا عظيم. وبيئة المكتب مريحة جداً ومحترمة. سأكمل ست أشهر دون أن أسمع نميمة واحدة ولله الحمد. وحتى الحديث بطريقة سلبية عن العمل غير محبذ ويوضع له حد دائماً. وطريقة احتوائهن الدائم لمشاعر بعضهن عندما يزيد ضغط العمل ممتازة وحنونة. فريق حقيقي لم أعمل مع مثله إلا نادراً. تعرفي عليهن تدريجياً وعددنا القليل واحترامهن لمساحتي الشخصية مكسب عظيم يجعل قيمة هذه الوظيفة أعلى في نفسي. 

عرفت ماذا أرتدي، أعرف أن الموضوع يبدو سخيفاً لكن، من يعرفني يعرف أنني أكره التسوق، وأكره شراء الملابس خاصة. وعدد القطع في دولابي قليلة مقارنة بمن حولي. وعندما أشتري ملابس فهي غالبا تكون استثمار كيلا أعود سريعاً لعملية التسوق الغثيثة. 

تأجيلي لمسألة التسوق كان يجعلني في حيرة يومياً فأغلب الملابس في دولابي كانت للزيارات أو المعيشة اليومية. ما يناسب العمل كان قليلاً. سطوت على دواليب رهف وعبدالعزيز، وأخذت منها ما ناسبني. لكن حتى هم لا يملكون ما يكفي. تجاهلت الموضوع وذهبت للعمل فترة طويلة بالجينز وقمصان سنوبي، و ريك أند مورتي، وأميرات ديزني. لكن مقر العمل دخل الآن في موسم جديد وسيصبح الزوار كثيرون ما يستدعي أن أبدأ ارتداء ما هو أكثر احترافية. شاركت قلقي هذا مع صديقاتي المقربات. وفي اجتماعنا التالي فوجئت بكمية الملابس التي جهزنها لي ! 

أجمل ما في الموضوع، بجانب موضوع عدم اضطراري للتسوق بنفسي، هو أن اختياراتهن متنوعة وجميلة لكنها كانت اختيارات أتجنبها غالباً كوني لا أعرف كيف يتم تنسيقها بشكل جيد. تم حل الواجب بدلاً عني ولم اضطر هذه المرة لتأجير متسوقة ومنسقة ملابس كما كنت أفعل سابقاً. شكرا بنات 💗

مما تحسن أيضاً، متلازمة المنتحل، بدأت أرى نتيجة عملي والرفق بنفسي. وأذكر نفسي دائماً أنني هنا للمدى الطويل وهذا ليس مشروعاً سريعاً، فخفّ القلق.  قلّت الاجتماعات كذلك بعد أن بدأ العمل الفعلي وانتهى التخطيط. 

وصديقتي سوسن، رغم تحدياتها في وظيفتها الجديدة، استطاعت دعمي نفسياً لتخطي الكثير من المشاعر السلبية المتعلقة بموضوع العمل عن قرب.

لازال مظهر نوبات الاكتئاب مختلف. لكن أصبحت الآن أكثر راحة مع الزميلات فلم أعد ابتسم غصباً عن مشاعري في مكان العمل عند مروري بنوبة اكتئاب. 

لكنني لم أتكيّف بعد..

لازلت أصحو وأتذكر أن علي الذهاب جسدياً للعمل في مكان مختلف فتتصاعد العبرات في حلقي كل صباح تقريباً. خاصة أن أغلب عملي يمكن عمله من مكتبي في المنزل. أو حتى على سريري ! لست أجد سبباً يبرر ذهابي اليومي للمكتب ولازلت في كل يوم كطفل يذهب إلى المدرسة أول مرة، أبكي أحياناً. 

أصبحت هذه الأغنية هي أغنية الطريق إلى المكتب .. 



لم اعتد كذلك أن أضطر للاستئذان من مديري للذهاب إلى موعد مستشفى، خاصة لأن مواعيدي كثيرة ولم أستوعب هذا إلا بعد أن بدأت بالاستئذان من أجلها.  اعتدت طول السنوات الماضية أن أحمل الكمبيوتر المحمول أو الجوال وأذهب مستمرة في العمل في غرف الانتظار. وعندما أعود أكمل العمل حيث توقفت. 

سأدخل الآن تحدٍ جديد في العمل، العودة للمدرسة. رهف وعبدالعزيز كانا يتوليان مسؤولية العناية بالصغار. وعندما تبدأ الدراسة سيعودون هم للحضور في مقرات الدراسة، أما الصغار فلازالوا في المنزل. جاء الخبر متأخراً كعادة وزارة التعليم. وبدأنا الآن رحلة البحث عن مكان لاستضافة لين وخالد وقت العمل. 

الخيارات موجودة إما غالية جداً جداً ما يجعل راتبي بلا معنى، أو غير مناسبة.

لين وخالد بعمر 8 و 10 سنوات، الأماكن التي تقبل استقبال الاثنين قليلة جداً. لازلت أبحث عن الحل لكنني أظن أنني اقتربت سأشارككم الحلول التي وجدتها إن نفعت. 



الاثنين، 21 يونيو 2021

بعد 12 عام من العمل عن بعد ، وشهرين في مقر العمل مالذي تعلمته عني حتى الآن؟

 



بدأت مسيرتي الوظيفية عن بُعد. في وقت لم يعرف الناس معنى العمل عن بُعد بشكل واضح. وكانت جميع وظائفي عمل حر. تعتمد على المشروع. فمشروع يأخذ سنة وآخر يأخذ ثلاث أشهر. كما تعودت أن يكون من وظفني ومديري المباشر هو "صاحب الحلال" أو المدير التنفيذي. فلا يوجد أي شخص بيني وبين صاحب القرار النهائي. 

12 عام، كنت أعمل بهذه الطريقة. ومنذ شهرين فقط، أصبحت أعمل في مكتب، يوميا، وُضِع اسمي للمرة الأولى في هيكلة المنظمة. وللمرة الأولى يكون المتوقع أنني سأعمل لسنوات مع هذه المؤسسة. ويوضع لي مدير مباشر وسيط بيني وبين المدير الكبير. 

جئت بحمولة وطريقة تفكير العامل المستقل، التي تتلخص في : " أنا هنا لفترة مؤقتة، يجب أن أُنجِز كل ما وعدت به في هذه الفترة البسيطة، مصلحة العمل أهم من مشاعر الزملاء، لا بيروقراطية مملة والقرار مباشر ولحظي من صاحب الحلال الذي يقول لي "إن تأخر المدير المالي في إعطائك الميزانية سأرسل لك المال من حسابي الخاص" 

طريقة التفكير هذه التي تشربتها تماماً والتي ساعدتني لبناء سمعة جيدة ومعيشة جيدة. ومشاريع أفخر بها، وأخرى أخجل منها لكن تعلمت منها الكثير.. أوصلتني هنا، لكن ..... 

سببت لي المشاكل عندما أصبحت موظفة أعمل عن قُرب، بطريقة تقليدية، ومع عدة مدراء.

لم أعتد البيروقراطية. لم أعتد أن أقول : "المشروع سيتم خلال ثلاث أشهر غالبا" معتمدة على خبراتي السابقة، ثم أكتشف أنني سأدخل الشهر الثالث ونحن لم نتفق حتى على أساسيات وفريق وميزانية المشروع.

واكتشفت في العلاقات الوظيفية طويلة المدى مثل هذه، أن مشاعر زملائي وزميلاتي أهم من مصلحة العمل أحياناً. 

لا ينبغي أن أُظهِر أخطاءهم بصراحة من أجل تصحيحها. أصبح لابد أن اُلمّح. قبل أن أصرّح. 

وتورطت _ إن صح التعبير_ بشخصيتي في العمل، أنا انطوائية وهادئة غالبا وأستمتع بالعمل المستقل أكثر من العمل الجماعي، وفي خبراتي السابقة، لم يكن هذا عائقاً إذ يمكنني التظاهر بأنني اجتماعية ليوم أو يومين في الأسبوع. والحديث بكثرة في اجتماعات متباعدة. وتقديم العروض والحديث عن الخطط بحماس. لدي شخصية صممتها للعمل، أرتديها حين أحتاجها ولأنها لا تشبهني كثيراً فهي ثقيلة ومرهقة وكوني أعمل عن بعد، لم أكن أضطر لاستخدامها لفترات طويلة. 

دخلت هذه الوظيفة بشخصية العمل هذه. لم أتوقع كل هذا الإرهاق الذي يحصل بسببها. والمشكلة الأصعب هي: كيف أعود لشخصيتي الحقيقية أمامهم دون أن أفقد ميزات شخصية العمل ؟ فبيئات العمل لا تفضل الانطوائي الهادئ !

في وظيفتي هذه إيقاع العمل أبطأ بكثير من العمل كمستقل. مما يعني أن أوقات الفراغ أكثر، وهذا مدخل ممتاز لمتلازمة المنتحل الشهيرة إلى مشاعري. تباعد الإنجازات يجعلني أشك في قدرتي على العمل وعلى جودتي به.

افتقدت حقيقة حضور الاجتماعات بالبيجاما.

وافتقد أيضاً القدرة على تخطيط الرحلات في أي وقت لأن عملي كان يرافقني ولست مرتبطة بمكان معين.

لكن تعلمت في هذا النمط من الوظائف شيئاً لم أجربه من قبل؛ وقت الفراغ. 

اكتشفت أنه ليس خرافة. وأنه يمكن للعمل أن ينتهي بعد عدد من الساعات. فأتوقف وأنسى الأمر حتى اليوم التالي. وعرفت أنه من الطبيعي ألّا تصلني رسائل في منتصف الليل تطلب مني تقارير للغد.

زميلاتي في العمل أجمل من كل كلام طيب يوصفن به. لكنني افتقدت خصوصيتي بالعمل إلى جانبهن. فالانهيار لثلاث دقائق صعب في وجود آخرين. والطرق التي تعلمتها للتعامل مع القلق ليست مناسبة لأجواء العمل. فلا السير في دوائر مقبول اجتماعيا، ولا الحديث بصوتٍ عالٍ ولا الشتائم التي تخفف عن النفس بعض الغضب ولا الاستلقاء حين تهجم نوبة هلع. 

هذا أكبر ما افتقدته، وأصعب ما يجب تعويضه. علي تعلم طرق تكيّف جديدة مع القلق والاكتئاب.

تغيّر مظهر نوبات الإكتئاب. أصبحت أخرج من السرير كل صباح في نفس الوقت مهما كانت مشاعري. وحتى إن كنت أفكر بالإنتحار في الطريق إلى العمل. أصبحت تظهر نوبات الإكتئاب بالبكاء المفاجئ في مواقف السيارات وفي غرفتي بالمنزل وأصبح السبب الرئيسي لها هو أنني (لم أنجز شيئاً اليوم).

علي أن أتعلم أن الإنجاز ليس حدث يومي. أنا أعرف المعلومة وأعرف أن الإنجاز أمر تراكمي وعلى مدى طويل، لكن يجب أن أقنع قلبي بهذه الحقيقة. 


والاجتماعات .. يا إلهي .. الاجتماعات .. الصبر يا ربي .. لا تذكرني إلا بأيام الجامعة ومحاضرات الدكتور الذي يأتي يوماً واحداً في الأسبوع من مدينة أخرى ويعطينا محاضرات في مادة واحدة لست ساعات. 

تنفسي وفاء.. هذا الوقت سيمضي وبيصير سواليف 



اكتشفت أسباباً لم أتوقعها تجعلني لا أريد الحضور في مقر العمل .. 
 


الأربعاء، 24 مارس 2021

بودكاست شسمه : فاصل ونواصل : أنا لست شجاعة












يمكنكم الاستماع للحلقة عبر هذا الرابط أيضا والاشتراك بالقناة على أي من برامجكم المفضلة للبودكاست


"وكأنني تنفست الأسى" - إدجار آلان بو

الإكتئاب مزيل لغشاء رقيق جدا يغلف الحياة .. اسمه الأمل مما يجعلها لا تطاق

لما المكتئب وغير المكتب ينظرون لنفس الشيء .. يشوفون شيئين مختلفين. المكتئب يشوفه بدون الأمل، وبدون الفلتر الرقيق هذا .. يصل الألم كامل.

طيب ليه يظن الناس إن الإكتئاب هو نظارة عدساتها رمادية نلبسها ونفصخها متى ما حبينا.


" شجاعة .. ملهمة .. قوية .. إرادة عظيمة"


كلها صفات من ضمن الكثير من التشجيع الذي وصلني منذ بدأت الحديث عن تجربتي في التعايش مع الإكتئاب. وبين هذه السطور يمكن أن نقرأ اعتبارهم لي (استثناء)


طيب ما هي القاعدة المتوقعة التي كسرتها ؟ أن المريض النفسي والعقلي لا يمكن أن يعيش بيننا. وغالبا خطر أو عاجز.

كيف وصلت هذه الصورة الذهنية للناس ؟


تكوّنت هذه الصورة الذهنية من ترسبات الإعلام والصحافة والفن. اللي كانت تركز على الحالات المتطرفة لأن الحياة العادية مملة لو وجهنا عليها الكاميرا.


واللي يحاولون ينشرون الوعي بالأمراض العقلية عايشين في فقاعتهم .. شوفوا اليوم مثلا .. هذا اجتماع لأشخاص عارفين على الأقل أساسيات معاني كلمات مثل إكتئاب وفصام وهلاوس

لم نخرج من دائرة الراحة الخاصة بنا لتوعية من لم يخطر في باله أنه قد يعيش مع شخص أو يكون هو الشخص المحتاج للعلاج النفسي.

وحتى المحاولات السابقة .. نجحت في ترسيخ بعض الكلمات في مفردات المجتمع .. لكن بطريقة سطحية فوصل الفهم قاصر للأسف


لدرجة أن الناس بدؤا استبدال مفرداتهم الصحيح بمفردات أسماء الأمراض كدليل على المبالغة.

فبدل ما تصف البنت صديقتها المرتبة بأنها منظمة جدا .. صارت تقول .. هي مرة OCD

وبدل أن يقول الفتى أنا زهقان ومليت هاليومين من الروتين صار يقول .. أنا مكتئب



لما بدأت الكتابة عن تجربتي .. كنت أبحث عن أصدقائي المكتئبين .. كنت أحتاج أتبادل معهم وصفات إكمال الحياة .. مثل ما أي شخص يبحث عن طريقة إزالة بقعة مستحيلة ..


وما كان عندي شي أخسره .. ما عندي اسم ولا بريستيج ينجرح لو عرف الناس إن عندي مرض نفسي

ولا عندي وظيفة تتأثر لو تكلمت عنه ..

والأشخاص اللي يهمني رأيهم عبارة عن قائمة صغيرة جدا من الأسماء وجميعهم كنت أعرف إن ردة فعلهم ستكون مقبولة ..


ما صارعت أي شي من أجل الحديث عن مرضي .. ولا كان هدفي نشر الوعي .. مع إن هذا الهدف تغير الآن..

ومو مطلوب من كل مريض أن يتحدث عن تجربته لأنها شي خاص فيه ومشاركتها أو عدم ذلك من حقه ولا تنقص من تقديرنا له.



أنا لست ملهمة .. ولست شجاعة ..


الشجاع الحقيقي .. هو الشخص اللي يدرك إن عنده أشياء كثيرة ممكن يخسرها لو سعى للعلاج من مرضه .. ومع ذلك راح يتعالج.


ولهذا الشخص أنا أقول .. أستمد منك القوة والشجاعة .. ومن أجلك سأستمر بحديث الإكتئاب .. ويوما ما .. ستزول الوصمة


لكل من وصل هنا .. ممتنة لوجودك في الحياة 

الجمعة، 12 فبراير 2021

بودكاست شسمه : الحلقة 2 : بترونة النجاح الوحيدة





رابط الحلقة 

 السلام عليكم . أنا وفاء خالد، وهذا شسمه بودكاست .. عن أي شي وكل شي. كل مرة أمسك موضوع شاغل بالي وأسولف معكم.

اليوم موضوعنا معقد قليلا ولن أستطيع تغطية كل الجوانب فيه هنا. لكن مثل العادة ستجدون كل المراجع والنص الكامل في المدونة 

www.wafakm.com


الموجودة في وصف الحلقة مع طرق التواصل 


مقابلة :

"- المجتمع ماهو قياس لأنهم ياخذون من نظرة محددة ..

- وش هي النظرة المحددة هذي

- النجاح بالعمل أكثر شي ، يعتبرونها هي الناجحة، بالمجتمع إذا ما عندهم خلفية عن حياتهم الأسرية، والاجتماعية ، يبنون على العمل.

- يعني تتوقعين لو كان في ربة منزل قاعدة في مجلس مع سيدات "ناجحات" ، هل بيعطونها وجه مثل الباقين ؟

- لا للأسف ، مع إنها أكثر نجاحا منهم ، من كل الموجودين لا بالعمل ولا بالحياة الاجتماعية ولا الحياة الأسرية "


صورة النجاح المحفورة في عقولنا الواعية واللاواعية أصبحت ضيقة جدا علينا. أظن أن الوقت جاء لنفهم كيف وصلنا إلى هنا؟ وكيف نخرج من هذا المأزق؟. هذه الصورة الضيقة كانت نتيجة لسياق تاريخي طويل .. فلنختصره قليلا مع بعض.. 


نولد ويُحدد جنسنا مباشرة ثم نُلف بمهاد وردي أو أزرق تُرسم لنا خطة حياتية كاملة بناء على ذلك. نكبر فنُدفع داخل قالب معين تحدده جيناتنا والعادات والتقاليد ورغباتنا الشخصية والصورة المتجددة للنجاح في العالم. 


مقابلة : 

"- من هي المرأة الناجحة ؟ 

- المرأة الناجحة هي التي خلصت دراسة وتوظفت وتزوجت وكونت أسرة مع وظيفة 

- يعني أنا فاشلة الحين ؟ 

- لا، هذا أنتِ عندك أسرة وعندك وظيفة وعندك دخل مادي 

- بس ما كملت دراسة ؟ 

- مو مشكلة، أهم شي تكونين مكتفية ذاتيا 

- معناها تعريفك للمرأة الناجحة  ناقص 

- لا يعني ، خلي الدراسة مو لازم جامعة ، يعني على الأقل ثانوي 

- طيب لو افترضنا مثلا .. 

- لازم يكون عندها دخل مادي أو وظيفة تسترها ، زوجها ينفصل عنها أو يمكن زوجها يموت ، يمكن زوجها يختلف معها ، فتقدر تمشي أمورها ، تقدر تعيش حياتها 

- بمعاييرك هذه معناها أن أمي وأمك فاشلين 

- في هذا الزمان نعم ، لو هم في زمننا هذا ، نعم "


في كل زمن نلقى صور معينة للشخص الناجح. إما أن نشبهها أو أننا فاشلون. ويحدد أقراننا مدى فشلنا واستحقاقنا بناء على مدى تشابهنا مع هذه الصورة. 

حتى زمن قريب، كانت المرأة الناجحة هي التي تتزوج مبكراً وتنجب أطفالاً أصحاء من بينهم ذكر واحد على الأقل. وتحافظ على جمالها ونظافة منزلها وجودة طبخها وتدبيرها لأمور الصرف والمنزل طوال عمرها. وعلاقتها مع أهل زوجها.  وبناء على قربها من هذه الصورة تُعطى لها صلاحيات أكثر في العائلة ويصبح لصوتها ثقل أهم في القرارات. 

وكان الرجل الناجح هو الذي يتزوج في عمر مبكر وينجب الأطفال ومن بينهم ذكر واحد على الأقل. ويستطيع توفير الحاجات المادية الأساسية لهذه العائلة ووالديه وأخواته العوانس. وكل قريب أو قريبة يقعون في نطاق يمكنه المساهمة فيه ماديا. 


وأي شخص سواء ذكر أو أنثى يخرج برغباته الشخصية من هذه الصورة يُعتبر معطوباً وفاشلاً ولولا الحرام لقتلوه رحمة به.


          تغير الزمن، ودخلت نماذج جديدة بدأت تكسر هذه الصورة. ودخل التعليم فيها. ثم دخل تعليم الفتيات، ثم تطور الأمر وأصبحت الأنثى تستطيع توفير الماديات لنفسها وعائلتها إن أحبت عن طريق العمل بنفسها في خيارات محدودة. ثم كثرت الخيارات هذه مع توسع نطاق الدراسة ورغبة الأهل في تقريب أولادهم وبناتهم لصورة الناجحون المتجددة. 


ومثل كل زمن كان المسمار الذي يخرج عن الصف يضرب على رأسه ليعود له صاغراً. وكان حِرص الأشخاص على قربهم من صورة النجاح وحِرص الأهل على تقريب أبنائهم لها. كافياً لصنع صوراً محددة جديدة للنجاح. 


وخلق لنا هذا صورا جديدة للتطرف ضد الخيارات المختلفة عنها. واعتبارها فشلا. 


في هذا الزمن، صورة النجاح للمرأة أصبحت محددة جدا وواضحة جدا، تُكتب بها المقالات والدراسات. 

فهي يجب أن تكون متفوقة في دراستها، جميلة، تعمل في وظيفة برجوازية، متزوجة، لديها أطفال لكن إنجابهم لم يؤثر على هيئتها الخارجية، مبتسمة دائما، سعيدة، رقيقة جدا وفي نفس الوقت قوية، منزلها شديد الترتيب والنظافة. وراتبها يستطيع تحمل كل أساسيات الحياة لعائلتها وكل الكماليات التي تُثبت أنها من طبقة معينة تنتمي لها، أو تريد الإنتماء لها، ومتواضعة. مكياجها دائم لكن غير ظاهر. وزوجها يُعامل في منزله كشهريار. 

يريدونها 

مكر مفر مقبل مدبر معا .. كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ 


مقابلة : 

"- المفترض ، المتعارف عليه في المرأة إنها ما تحط نفسها أولا ، لازم تحط كل الناس بالإضافة إلى المجتمع، قبل نفسها ، وبعد كل هذا تضع قرار لنفسها وما تريد ، إذا استاطاعت التوفيق بينه وبين بقية الأشياء "


رغم كل المتطلبات سابقة الذكر عندما تُقدم سيدة على اتخاذ خطوة في العمل خارج المنزل، أول سؤال يوجه لها هو :" كيف يمكنك المحافظة على منزلك وعائلتك ومصالحهم وتوازن حياتك؟" بينما لا يوجه هذا السؤال للرجل عادة .. 

وعند عمل مقابلة صحفية أو تلفزيونية مع سيدة ناجحة في مجالها، لابد أن يكون أحد الأسئلة : " كيف توازنين حياتك العائلية والعملية ؟ " بينما لا نرى هذا السؤال في المقابلات التي تكون لرجال ناجحون في مجالهم. 

في دراسة سنة 2006 لاحظوا أن نصف النساء في العينة يعرّفن النجاح بأنه التوازن. والنصف الباقي توزع تعريفهن بين الرضا وجودة العلاقات في حياتهن.

أما الرجال، فكانت نتيجتهم أن 45% منهم كان تعريفهم للنجاح يدور حول الأمور المادية. و 30% تكلموا عن جودة العلاقات. وفقط 5% منهم أتوا على ذكر التوازن. 

(لن أدخل في تفاصيل الفرق في الرواتب بين الجنسين عند تقديم نفس العمل، ولا عن السقف الزجاجي الذي ترتطم به طموحات السيدات العاملات اليوم.فهذا موضوع معقد جدا.)


طيب، وماذا عن السيدة التي قررت أن تكون على طبيعتها ؟ أو قررت أنها تحب كونها ربة منزل ؟ وماذا عن التي لم تحظَ بالجينات المحظوظة التي تقربها من صورة المرأة الناجحة ؟ 

هل توضع مباشرة في خانة الفشل ؟


مقابلة :

" - طيب ، أنتِ كنتِ ربة منزل لفترة سنوات ، هل أحسست يوما أن المجتمع ينظر لك كفاشلة لأنك ربة منزل ؟

- لا ، لأني كنت ربة منزل ناجحة "



نستطيع أن نرى كيف تعمل هذه الضغوط والتوقعات الحديثة بوضوح في المجالس الكبيرة. فتلك المعلمة تستطيع أن تحتكر الحديث في المجلس وهذه المديرة تفرض رأيها وتناقشها، ورائدة الأعمال مثيرة للاهتمام ويستمع لها الجميع. بينما تجد ربة المنزل أو المتفرغة للأمومة أن رأيها مهمش، ومن السهل مقاطعتها حين تحاول الحديث، إن سُمِح لها ذلك. ولا يتم توجيه الحديث لها إلا إن أصبح الموضوع عن الطبخ أو إزالة البقع


مقابلة :

" - وربة المنزل للأسف مظلومة في مجتمعنا ، دائما يعتبرونها فاشلة لأنها ما حققت في العمل أو في الحياة الإجتماعية أو المادية وغيرها

- حتى لو كان هذا اختيارها ؟

- حتى لو كان اختيارها

- حتى لو هي كانت تقول : أنا أحب كوني ربة منزل وأريد الجلوس مع أطفالي ، لا يرضى عنها المجتمع ؟

- لا، يعتبرونها حجة لفشلها "


والأسوأ عندما تكون هذه الصورة عن ربات البيوت موجودة عند من يعتبرون نُخبة المجتمع، والذي يُفترض أنهم منفتحي العقل على الآخرين وأفكارهم وحيواتهم. ومن أبسط الأمثلة أن تكون صفة "ربات البيوت" مع صفة "أنصاف المتعلمين" كنموذج للأشخاص الذين يسهل إقناعهم بالمؤامرات والخرافات. وكأن مجرد اختيار السيدة أن تكون ربة منزل يجعلها تلقائيا أقل منزلة عقلية وثقافية من الآخرين. 


وجدت هذا الوصف في مقال للدكتور ياسر عبدالعزيز. في صحيفة الشرق الأوسط عدد [15413] بتاريخ 08 فبراير 2021، اسمعوا معي: 

"لم تنجح «كيو أنون» عبر استخداماتها الحاذقة لوسائط «السوشيال ميديا» مع ربّات البيوت وأنصاف المتعلمين، الذين لا يطالعون الصحف ولا يتابعون نشرات الأخبار، فقط، بل نجحت أيضاً مع نخب سياسية وثقافية "  أ.هـ 



من الجهة الأخرى،  السيدات العاملات يحتجن أن يعملن أكثر من زملائهن الرجال وبنتائج أفضل منهم حتى يُنظر لها كجديرة بالعمل معهم. حتى وإن كانوا لا ينوون ترقيتها أو حتى زيادة راتبها ليتساوى مع زميلها الذي يقوم بنفس واجباتها بالضبط.

وفي الأعمال التجارية، عندما تكون سيدة هي المالكة، تحتاج في كل عملية تجارية إثبات جدارتها لكل من الموردين والموظفين والمنافسين، ويكون لهذا أهمية أكبر إذا كان مجال عملها يحتكره الرجال في الغالب. 


مقابلة :

" - honestly , someone who goes to bed and can not wait for the next morning and excited "

الترجمة : " بصراحة ،هي من تذهب للنوم وهي تنتظر اليوم التالي بشغف "


على طاري الأعمال الريادية، الأهداف وتحديد مقومات النجاح في الأعمال الريادية التي تملكها سيدات أو رجال غالبا واحدة. وتتشابه كذلك الأسباب التي تدفع كل منهم للبدء بهذه الخطوة. مثل الاستقلالية، وزيادة الدخل، وعدم وجود مدير لهم. لكن، الاختلاف كان واضحا عندما ذكر أغلب الرجال أسباب اقتصادية لرغبتهم بالعمل الريادي. بينما ذكرت النساء أسباب لها علاقة بالعائلة. 

" العمل الريادي بالنسبة للرجال استراتيجية تجارية، بينما للنساء فهي استراتيجية حياتية" كما ذكرت نورا نوبل في تقريرها عن رياديات الأعمال سنة 1986 في مجلة venture 


مقابلة :

" - وأنتِ ما رأيك ؟ من هي المرأة الناجحة ؟

- لا أعرف ، أحس أنه anyone who is content with thier life ، بمختصر الموضوع everything she said بس content with thier life ، سواء كانت بحالتهم المادية ، أو شغلهم ، أو عائلتهم or thier huose ، thier cars .. what ever it is "

الترجمة :

- " لا أعرف ، أحس أنها أي انسانة راضية بحياتها، بمختصر الموضوع ، كل ما قالته هي لكن بالرضا بحياتهم ، سواء كانت حالتهم المادية أو شغلهم أو عائلتهم ، أو منزلهم أو سياراتهم ، أيا كان ..

- قناعة وإلا رضا ؟

- قناعة

- ألا تشعرين أن القناعة قد تحد من الطموح ؟

- لا "


هذا الضغط الشديد على المرأة في المجتمع لا يعني أن الرجال مسترخون تماما، بل العكس، فكل ضد من هذه الضغوط تجده ضاغطا على الرجال. فالرجل إن كان قنوعاً ولا يسعى للتطور الوظيفي أو العلاوات أو المناصب يعتبر متكاسلاً. وإن كان لا يريد بدء عمل خاص له وسعيد بوظيفته وسلمه الوظيفي المتوقع، يعتبر عبداً للوظيفة. وذلك الرجل الذي قرر أن العمل اليدوي مرضٍ له ويُسعده وأراد أن يكون هو مصدر دخله. يُعتبر غبيا، أو حتى عار في بعض التقاليد.

وكذلك بدأت الصورة الخارجية للرجل تخضع للمعايير الجديدة فبعد أن كان العيب الوحيد للرجل هو جيبه، أصبح الآن كرشه وصلعته وانعدام عضلاته وأنفه وحدود فكه من الأشياء التي يتم تقييمها واعتبارها جزء من قيمته كإنسان يستحق النجاح. 


صورة النجاح الضيقة علينا، كتمت أنفاسنا. وأصبحت مصدر قلق كبير للعديد من صغار السن. حتى أن بعضهم أصبح يخاف من الفشل في أحد المتطلبات لاكتمال هذه الصورة فيرفض المحاولة أصلا.


مقابلة :

" بالنسبة لي ، المرأة الناجحة هي المرتاحة مع نفسها ، التي تختار الاختيار وهي واثقة منه وعارفة لتبعاته ولا عندها مشكلة مع ما قد يقوله الناس عن قرارها .. قررت تشتغل فهي مبسوطة ومرتاحة مع نفسها ولا يهمها ما يقوله الناس ، قررت تجلس في البيت هي مبسوطة مع نفسها ومرتاحة ولا  تنتظر من أحد أن يؤمن أو ينتقد قرارها ، وأهم شيء ، واعية للتبعات " 


حلقة اليوم مبسطة جدا وتنظر للموضوع بطريقة سطحية حتى. لكنني أتمنى أن تكون بداية ممتازة لإثارة فضولكم لمراجعة أفكاركم الشخصية عن صورة النجاح التي تضغط علينا واختيار البترونة اللي تناسبكم.


لأنه لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع. فالنجاح ليس جورب العائلة.  




المراجع : 


How we define success: A qualitative study of what matters most to women and men

ربات البيوت (مقال "مصنع الأوهام"  لـ د. ياسر عبد العزيز) 

Entrepreneurs' Perceptions of Success: Examining Differences Across Gender and Family Status

Female Entrepreneurs: How Far Have They Come?




لمن وصل هنا :
شكرا لك ممتنة لوجودك في الحياة